المرأة والعمل السياسي بين الطموح والواقع
في ظل التطور الهائل والسريع الذي تشهده حركة المجتمع والتاريخ في العالم أجمع لم يعد بالإمكان إبعاد المرأة عن ميادين الحياة ومنعها من المشاركة في بناء المستقبل، وتأتي السياسة في مقدمة الميادين التي تم استبعاد النساء عنها لوقت طويل. وإدراكاً من قاسيون لأهمية هذا الموضوع فقد أجرت استطلاعا وأخذت وجهات نظر عدد من النساء والرجال حول عمل المرأة السياسي (وجوده ـ إمكاناته – دوافعه ـ صعوباته ـ وآفاق تطوره) ولقد تنوعت النتائج التي حصلت عليها.
1 ـ فادية (طالبة أدب إنكليزي) دخول المرأة لميدان السياسة واجب وضرورة تماما ً مثل ضرورات دخولها ميدان العمل والتعليم، وهو مهم للمرأة نفسها حتى تنمو شخصيتها وإلا كيف سيتطور المجتمع وتابعت: إذا سألنا الرجل ما هو دافعه للعمل السياسي؟ فقد يجيب ربما المال أو السلطة أو الشهرة أو حاجات معينة أخرى.
واعتقد أن الدوافع نفسها ممكن أن تكون وراء سعي المرأة للخوض في هذا الميدان ولكن المشكلة عندنا ليس فقط بسبب التقاليد وتخلف المجتمع أو الخوف (لأن نظرة المجتمع إلى السجين السياسي مثلا ً تختلف عن نظرته لسجين آخر ويُحترم حتى من قبل سجّانيه) ولكن ماذا ستفعل المرأة إذا كان العاملون بالسياسة (من الرجال) فقدوا دورهم وإذا كانت الحركة السياسية متراجعة بشكل عام. والأمر يعود بشكل كبير إلى الأسرة، إذ يتأثر الرجل بالنمط الذي تكون عليه أسرته فقد تدفعه الأسرة إلى التزام خط سياسي معين أو تجره إلى تركه وربما تؤثر حتى في قراراته الشخصية. نحن لو لم نتربَ في أسر تعطينا الحرية وعلمتنا أسرنا أن الحرية مسؤولية لما كنا على ما نحن عليه من ناحية تعليمنا أو نجاحنا في الحياة.
2 ـ سوزان (معلمة): بلا سياسة بلا وجع راس أحب أن أبقى في بيتي مع عائلتي وهذه الأمور أتركها للرجال ما داموا يستطيعون تحمل مسؤوليتها عني (ليش أوجع راسي) .
3 ـ أم أسامة (ربة منزل): عمل المرأة في السياسة ضروري من أجل اطلاعها على ما يجري حولها وبذلك تفهم الحياة أكثر وتساعد أولادها في المستقبل بإرشادهم إذا اتجهوا في اتجاه سياسي معين لكن يرتبط ذلك بنفسية المرأة وتقبل الأهل والبيت وأنا أفضّل الشكل المباشر للعمل السياسي مثلا الإعلام – المنظمات الشعبية – أو حتى الأحزاب ولكن تتعرض المرأة لمشكلة عدم الاستقلالية عندما تتربى الفتاة في أسرة ذات طابع سياسي معين وعندما تتزوج مثلا إلى بيئة مغايرة لبيئتها لا تتقبل أفكارها فتضطر أن تكبت اهتماماتها لتعيش في البيئة الجديدة. مع ذلك عندما تتعرض البلاد لخطر خارجي يصبح واجب على المرأة أن تشارك في دفع الأذى عنه أيا كان ولو بالدفع النفسي للمقاومة الذي تبثه في أسرتها.
4 ـ حنان (ربة منزل): بالوضع الحالي للبلد الكل يتكلم بالسياسة (حتى الأطفال) على شكل أحاديث ضمن جلسات اجتماعية نتيجة الخوف أو أشياء أخرى وأنا شخصياً أحب أن أعبر عن رأيي بحرية ولا أحب الدخول في الأحزاب لأنها لا تفعل شيئاً (حتى الأحزاب القومية) التي تنادي بقضايانا الخاصة لا تعمل بقدر ما تتكلم ولكن لا مانع من العمل ضمن الجمعيات والمنظمات الشعبية.
5 ـ بهية (معلمة): لما لا تعمل المرأة في السياسة؟ إنه شيء جميل شرط أن يكون لديها الإمكانات اللازمة وتستطيع حماية نفسها من الناس والمجتمع لأنه سيرفضها ويحاربها.
وعن الإمكانات قالت: أقصد أن تمتلك المرأة من الوعي والثقافة ما يؤهلها لذلك وأن تمتلك قسطاً من الحرية يمكنها من الحركة لتحقيق هدفها.
6 ـ جيهان (أدب انكليزي): رغم ضرورة هذا الأمر وأهميته إلا أن النساء اللواتي يخضن العمل السياسي قلائل جدا ً حتى في الدول الأوربية، لأن النظام السياسي الاجتماعي هو نظام بطريركي ذكوري وفي مجتمعاتنا لا تستطيع المرأة التوفيق بين الأعباء الكثيرة التي تتحملها (ظرف العمل -تربية الأولاد- مسؤولياتها الزوجية..) السياسة مسؤولية، وليس من الضروري أن تعمل المرأة في السياسة بشكل مباشر (دخول الأحزاب مثلاً)، فممكن أن تعمل في جوانب مجتمعية تعبر عن حالة سياسية مما يؤثر في شخصيتها، ويوسع آفاق تفكيرها فتنجح في تربية أولادها مثلاً وبالتالي تنعكس السياسة إيجابيا في حياتها.
7 ـ آهين (معلمة): شي حلو ولكن هذا سيعرضها للسمعة السيئة لأن مجتمعنا ما زال متخلفا ولا يتقبل ذلك .
8 ـ سفيتا (مهندسة زراعية): عمل المرأة السياسي ضرورة وقد حُجبت المرأة عنه ضمن سعي السلطات على مر التاريخ لحجبه بشكل عام وبشكل مضاعف عن المرأة كون هذه السلطات تنحاز لمصالحها أولا وتمتلك الأدوات التي تمكنها من تحقيق هدفها ثانيا.
وحول ضغوطات المجتمع على عمل المرأة في المجال السياسي (السمعة السيئة نموذجا) قالت:
المعايير الأخلاقية تختلف من مجتمع إلى آخر. كمجتمع عربي فرض بعض المعايير التي تتعارض مع عملها السياسي من أجل غايات سياسية، ولكن إذا وصلت المرأة إلى درجة من الوعي يُمكنّها من اختيار خطها السياسي وباستقلالية تامة، فلن يبقى لهذه الأخلاقيات أثر يُذكر مثال: (سمعنا عن كثير من حوادث الطلاق لبعض السجينات السياسيات اللواتي تعرضن للاغتصاب ولكن حاليا الرجال يتعرضون للاغتصاب داخل السجن أيضا فهل يؤثر ذلك على سمعتهم؟) أعتقد أن الأمر أخذ بعدا إنسانيا أكثر من كونه بعدا أخلاقيا.
المشكلة حاليا لا تتعلق بالمرأة والرجل، فقد ابتعد الناس عن السياسة بشكل عام لأن الوضع السياسي مشوه نتيجة عدم قيام الأحزاب بدورها الوظيفي مما جعلها تفقد مصداقيتها ولكن ضمن ظرف الضغوطات التي تتعرض لها البلاد سيتوفر ظرف ملائم لنشوء دور فاعل للمرأة على الصعد كافة حتى السياسية منها. فمثلا بالمفهوم الديني تشارك المرأة في الجهاد حتى دون استئذان ومع ذلك قرأت كتابا يخص التشريع عن بعض (الفقهاء) الذين يُحرّمون مشاركة المرأة في الحرب إلا إذا دخل العدو بيتها وتفاجأت بذلك لأنه يخالف ما درسناه عن الجهاد..... إنني مقتنعة بمساواة الرجل مع المرأة، وعليه يجب أن تُعامل المرأة على أنها شخص فاعل مثلها مثل الرجل، لكن مع مراعاة خصوصيتها كامرأة. ورغم القهر الاجتماعي الممارس عليها من المجتمع من ناحية والقوانين المجحفة بحقها من ناحية أخرى (كقانون الأحوال الشخصية وقانون الانتخاب)، فإن الظروف الموضوعية ستفرض مشاركة المرأة سياسيا بشكل فاعل في المستقبل.
■ إيمان الأحمد