أوراق خريفية «الكوسى»  والديمقراطية...!

يبدو أن المزاجية وبعض الطباع تنتقل إلى الأبناء بالوراثة؛ فأنا مثلاً لا أحب الكوسى أبداً. وقد ورثتْ عني ابنتي الصغيرة هذا الكره للكوسى. ومنذ أيام تحدّتني زوجتي قائلةً: أشهد بأنك بارعٌ في كثير من الأشياء إلا أنك تعجز عن إطعام ابنتك الكوسى... أجبتها وقد قبلتُ التحدّي: اطبخي كوسى هذا اليوم وسترين أنني أستطيع إطعام ابنتي منها.

عند الغداء وبينما كانت زوجتي تهيّئ الأطباق على المائدة، جلستُ قرب ابنتي وبدأتُ بتقديم عبارات الإطراء لها؛ مبيناً لها أن أكثر ما يعجبني فيها هو دماثتها وطيبتها، وأنها قنوعة وغير متطلّبة، لا تتغنج على شيء، تقدّر جهود والدتها وتثني عليها وتأكل ما تطبخه من طعام دون أي تذمّر... وبعد أن مسّدتُ شعرها بحنان استطردتُ قائلاً: تذكّرينني يا حبيبتي بفتاة صغيرة في مثل عمرك كانت تكره الكوسى جداً. إلا أنها من شدة حبها لأمّها لم تكن تبدي أي نوعٍ من الاشمئزاز لدى قيام أمها بطبخ الكوسى، وذلك تقديراً لتعبها وعرفاناً بجميلها. ثم إن الكوسى من نعمِ ربنا ويجب ألا نرفضها أبداً. كما إنها مفيدة جداً يا ابنتي.. ( في هذه اللحظات كانت زوجتي تضع الكوسى في الأطباق) مددتُ يدي وبدأتُ بإطعام ابنتي لقمة صغيرة من الكوسى وهي مأخوذة بحديثي دون أن تنتبه..! واستأنفتُ قائلاً بعد أن فرقعتُ لساني مستطيباً لأحثها على الاستمرار بتناول المزيد: هل تعلمين يا ابنتي أن الكوسى تحتوي من المعادن على الكبريت والفوسفور والبوتاس (وأطعمتها لقمة) والكلس والحديد والمغنيز (وأطعمتها لقمة أكبر من سابقتها) وأنها غذاء رطب، انحداره إلى المعدة سريع (وأطعمتها لقمة أكبر) ويبرّد الجسم ويسكّن اللهيب (وأطعمتها لقمة).. حتى إن طرزان، تصوري يا ابنتي كان يموت بالكوسى (وأطعمتها لقمة).. وربما يكون هذا أحد أسباب قوته. (بدأت علائم النفور والامتعاض تتجلى على محيّاها وتتمنّع بلطف عن فتح فمها) ومن غرائب الأمور وهذا لم يكن في علمي أبداً، أن ساندريلا كانت تفضّل الكوسى على أي طعامٍ آخر. (بدأت تكشر ويزداد تمنّعها مبعدة يدي التي تحمل لقمة عن فمها) احزري يا حبيبتي مَنْ مِن الأميرات الشهيرات كانت تهيم حباً بالكوسى؟

وهنا بلغ السيل الزبى لديها وصرخت مستنكرةً قائلةً: بابا! أرجوك حدّثني عن بنت لا تطيق الكوسى وترفض بشدة تناولها...

قد أكون أطلتُ في سرد هذه الواقعة الحقيقية، لأدلّل من خلالها على أن الطبع يغلب التطبع. ولأؤكد من جهة أخرى على أن بعض مدّعي الرقيّ والمدنية والديمقراطية... يبدو أن طباعهم اللاديمقراطية قد انتقلت إليهم بالوراثة. بفعل القمع المتوارث منذ قرون. إذ سرعان ما يظهرون على حقيقتهم البعيدة كل البعد عن ادّعاءاتهم عندما يُختبرون. وهذا ما حصل معي من خلال مقالة نشرتها بعنوان (جحيم الاستبداد ولا جنّة الموساد) انتقدتُ فيها السلطة والمعارضة بآنٍ معاً. فقد وصلتني مجموعة رسائل إلكترونية هجومية من شخصيات معارضة، بعضهم أصدقاء لي ويعرفون جميعاً الضريبة الباهظة التي سددتها من عمري بسبب مواقفي السياسية، ومع ذلك سارعوا لاتهامي بالعمالة للنظام لمجرّد أنني غمزت من قناة المعارضة. وهم الذين انكووا باتهامات السلطة لهم بالعمالة للخارج لمجرد خلافهم معها ومعارضتهم لها. وطبعاً لم ينسَ أصحاب تلك الأقلام المعارضة أن يذكّروني بفضائل الديمقراطية والانفتاح والتسامح وقبول الآخر... زاعمين أنهم ديمقراطيون أشاوس حتى العظم، وأن الديموقراطية تسري في عروقهم، لدرجة أنه إذا جُرحوا فإن قطرات الديمقراطية ستسيل منهم...!  بينما هم في الحقيقة لا يتحمّلون أي انتقاد ومن أية جهة كانت. متخذين مقولة (بوش): «من ليس معهم فهو ضدهم» و «يجب أن لا يعلو صوت على صوت إسقاط النظام..} شعاراً استراتيجياً لهم وأياً تكن النتائج، وعليهم وعلى أعدائهم يا ربّ!

أيها الأخوة المعارضون! إنني أتساءل بمرارة وأسى: ألمجرّد تقديمي عدة ملاحظات على (إعلان دمشق) والتي أقرّ بها حتى بعض من وقّع عليه، تجعلكم تستلّون سيوفكم الصدئة الرعناء؟

هل هذه ديمقراطيتكم التي صرعتمونا بها بأحاديثكم ومقالاتكم وندواتكم...؟

إن كنتم صادقين فيما تزعمون، تعالوا نكفّ عن المهاترات ونتعلم تطبيق الديمقراطية في بيوتنا أولاً، مع أفراد أُسرِنا، مع جيراننا، مع زملائنا في العمل، مع رفاقنا في التنظيم... مع احتفاظنا بحق مطالبتنا السلطة بالديمقراطية .

يقول لينين: الأممي ليس ذلك الشخص الذي يقسم بأنه أممي، بل ذاك الذي يناضل عملياً.

وفهمكم كفاية...

■ ضيا اسكندر – اللاذقية

 

عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.