تشييع القائد النقابي الشيوعي الرفيق سهيل قوطرش وداعا أبا المجد.. أنت حي في عقولنا وقلوبنا

لم يكن حضور الموت عادياً في ذلك الفجر رغم كل شيء..

كأن هذا الشبح الخرافي الغامض القادم من عوالم الأزلية استجمع كل ما فيه من جلال وهيبة وبطش وسخرية، وتسلل مع عتمة السحر إلى روحنا الراقدة على السرير الأخير، ليقول لنا جميعأ: ها أنا ذا أيها الرفاق! هل تأخرت عليكم؟

كأنه كان مستعجلاً وساهماً.. لأنه كان خاطفاً وخفيفاً ولم يشعر بقدومه الساهرون الحانون على الجسد المتعب؟

وكأنه لم يكن ذاته الجامحة حين عانق العروق الملائكية التي أتعبها النبض بحنو الرئيف المرهف ومضى بها بعيداً؟

ولم تكن صدمتنا حين باغتنا الغياب عادية رغم كل شيء.. 

كنا نشعر بدنو اللحظة الرمادية، لكننا لم نعط أذناً لهمسات الرحيل..

وكنا نعلم أن غيلان الألم قد أسرفت باجتياح الخلايا، لكننا لم نتهيأ لموكب الدموع..

وكنا نتحاشى التمعن في مقل قلوبنا لئلا تمر الحقيقة، فتضربنا في الصميم..

وأدركنا الحزن..

وحين أشرقت الشمس

آن أوان الوداع..

الوداع يا رفيقنا وصديقنا وأخانا وبقية روحنا..

الوداع يا سهيل.. الوداع يا أبا المجد..

ستبقى حياً في ضمائرنا.. في عقولنا وقلوبنا..

في مسيرتنا – مسيرتك التي لن تتوقف أبداً مهما بلغت المصاعب واشتدت العواصف وعظمت النوائب..

وعهداً منا - نحن رفاقك - أن تظل سيرتك الإنسانية والنضالية نبراسنا الهادي..

مراسم التشييع

تم عصر يوم الأربعاء 31/5/2005 تشييع جثمان الراحل الكبير، القائد النقابي الشيوعي سهيل عثمان قوطرش إلى مثواه الأخير في مقبرة الشيخ خالد في حي ركن الدين بدمشق، بحضور ومشاركة المئات من رفاقه وأصدقائه وأبناء حيه وأفراد عائلته، وسط مشاعر عارمة من الحزن والألم.. والأمل!

موكب الجنازة انطلق من المشفى الفرنسي في القصاع واتجه إلى مسجد (حمو ليلى) في حي الأكراد، حيث تمت الصلاة على الفقيد الغالي، ليتجه بعدها المشيعون خلف النعش سيراً على الأقدام إلى مقبرة الشيخ خالد النقشبندي، حيث ووري الثرى..

● بعد إتمام مراسم الدفن ألقيت بعض كلمات التشييع بدأها الرفيق أبو فهد محمد علي طه فقال:

أيها الأخوة والأصدقاء والرفاق... أيها المشيعون الأعزاء...

كم هو قاس على القلب وقت الرحيل والوداع، وكم هو مؤلم فراق الأحبة، لكنها مسيرة الحياة.. مسيرة الأعمار تلج محطات ومحطات، ثم تقف في موقعها الأخير، ليغدو العمر ومضات عابرة وكلمات مترعة بمشاعر متدفقة مؤثرة. وهنا يأتلق يا أبا المجد، يا أيها الراحل الغالي العزيز، يأتلق اسمك طبية وجهداً صادقاً مخلصاً، وعملاً كرسته لخير الشعب والوطن، لخير الكادحين، للطبقة العاملة التي لم تتردد لحظة في الدفاع عن مصالحها وحقوقها، فكنت بحق صوتاً متميزاً في انحيازك للجماهير الفقيرة.

تاريخ عريق

● ثم ألقى الرفيق النقابي الكبير إبراهيم بكري كلمة دافئة قال فيها:

أيها الأصدقاء.. أيها السادة والرفاق..

بحزن عميق وأسى شديد نودع رفيقنا وصديقنا سهيل قوطرش..

لقد برز من عائلة سهيل رجال سجلوا مواقف كبرى في سبيل مصالح الوطن ومصالح الشعب خصوصاً مصالح طبقتنا العاملة وخسرنا الآن رفيقاً مناضلاً جريئاً برز من هذه العائلة لقد تعرفت على والد سهيل في الأربعينات من القرن الماضي عندما كان الجيش الفرنسي ثم الجيش البريطاني محتلين بلادنا.

وكنت مع الرفيق بهجت بكداش قوطرش وإيليا مباردي ملاحقين من السلطات فطلبنا من والد سهيل مساعدتنا لإيجاد بيت سري نأوي إليه. ولم يمض وقت طويل حتى تمكن من إيجاد البيت المناسب لنا لطبع جريدتنا الحزبية السرية طوال تلك الفترة.

وعاش الرفيق سهيل متابعاً نهج والده وإخلاصه لوطنه وشعبه.

ومضت الأيام وإذا بسهيل قوطرش يعمل في معمل التلفزيونات وبرز قائداَ شعبياً موهوباً يغار على مصالح الطبقة العاملة ومصالح حركتنا النقابية باعتبارها أداة للدفاع عن حقوق الطبقة العاملة وكان سهيل وطنياً قوياً وصادقاً يغار على مصالح وطنه وسيادة بلاده.

وأصبح عضواً في نقابة الصناعة المعدنية وعضواً في مجلس اتحاد دمشق وعضواً في مجلس الاتحاد العام لنقابات العمال.

وعُرف سهيل قائداً نقابياً يفهم بعمق مشاكل طبقتنا العاملة وحركتها النقابية فهماً واقعياً صحيحاً يدعم نشاطها لتحقيق مطالبها.

لقد كانت عملية توحيد الشيوعيين وخصوصاً النقابيين منهم هدفاً كبيراً مقدساً لديه، من أجل مضاعفة قواهم لتنفيذ مهامهم النقابية والوطنية وتعزيز حركتنا النقابية لأنها أساس قوي لتلبية مطالبهم وتعزيز وحماية سيادة واستقلال بلادنا من كل تآمر أو عدوان.

نعم خسرنا رفيقاً بل قائداً شعبياً ليس من السهل نسيانه أو التعويض عنه.

أخيراً أتقدم إلى زوجة الفقيد وأبنائه وآل قوطرش بتعازينا القلبية وأتمنى لهم الصبر والسلوان.

وأعزي قادة اتحاد نقاباتنا بفقدان زميلهم سهيل مع تمنياتنا لهم بالصبر والنجاح في تحقيق مهامهم.

● بعدها ألقى الأب حسن طبرة كلمة مميزة ومؤثرة، ذكّر فيها بالأخلاق الرفيعة والقيم النبيلة والسلوك القويم الذي تميز به الراحل الكبير..

● ثم توجه الرفيق أبو فهد بكلامه للفقيد الراحل وقال:

أيها الرفيق سهيل من رفيقك أحمد دياب الذي لم يمكنه مرضه من المشاركة حضوراً في وداعك هذه الأبيات:

هلا تهاوى الموت وانكفأ الردى

عن باسل دمث أخي العمال

هو ذو مهابة عزة  متشامخ

صلد الملامح مفعم بجلال

صلب ولكن في التواضع سيد

مترافقُ الأقوال.... بالأفعال

لو كان يرجى في المنون ترحم

لرجوتها ألا تجور بغالي

فارقتنا لا.. لاغرابة .......إنها

نظم الحياة تؤول للترحال

فإلى خلودك ياسهيل وعهدنا

نمضي بدربك في مسير قتال

ونصون فكرك يا سهيل بروحنا

ونعيش دهرك زاخرا بنضال

ونذود عن شرف الرسالة مثلما

ذاد الكماة بسالف الأجيال

عشر من الأبيات لاتكفي لمن

ما دونه ألف من الأمثال

●●●

ويستمر النضال النقابي...

● كما ألقى النقابي جمال القادري رئيس اتحاد عمال دمشق كلمة باسم اتحاد نقابات العمال، أشاد من خلالها بالدور الكبير الذي ظل يقوم به الفقيد الكبير لخدمة العمال حتى آخر نبض في عروقه، وأكد أن اتحاد نقابات العمال سيستمر أبداً في النضال  صوناً لكرامة الوطن وخدمة لأبنائه الشرفاء الغيورين عليه..

● وكانت الكلمة الأخيرة لرفاق الراحل الغالي الرفيق سهيل، كلمة اللجنة الوطنية لوحدة الشيوعيين السوريين ألقاها الرفيق حمزة منذر (أبو معتصم) هذا نصها:

أيها الشيوعيون أصدقاء ورفاق القائد العمالي الشيوعي سهيل عثمان قوطرش ـ أبو المجد ـ :

عجزت مناعة جسده عن إسناده في الفترة الأخيرة، ومع ذلك وجه رسالة مؤثرة لمؤتمر الشيوعيين السوريين الحادي عشر المنعقد في 28 نيسان الماضي عنونها بالمقولة الشهيرة: «الشيوعية أقوى من الموت وأعلى من أعواد المشانق» وقد أكد في رسالته بالحرف: أن الحزب القوي هو الحزب الذي يستطيع أن يرتب أولوياته ويكون فاعلاً في المجتمع وليس منفعلاً فيه، هو الحزب الذي يدرك الأعضاء فيه أن الوطن بحاجة إلى رجال يترفعون عن مكاسبهم الشخصية، والذي يقع على عاتقهم بناء المجتمع الجديد الذي لا استغلال فيه.

وبرسالته هذه كان يذكرنا بأن للوداع بقية... كنا نزوره وكان أبو المجد مستلقياً على سرير المرض الخبيث هو، هو، هادئاً مبتسماً رابط الجأش، يعانق زواره ويسألهم عن أحوالهم الشخصية وأكثر ما كان يسأل عن الشأن العام وكأنه في سباق مع  الزمن.

لم يكن حزيناً ولا خائفاً مما ينتظره ويتربص به. بل كان يتحدث معنا عن مخاطر الهجمة الإمبريالية ـ الصهيونية على منطقتنا وبلدنا الحبيب سورية وعن أعداء الوطن في الداخل  من قوى النهب والفساد الكبرى، وضرورة مواجهتها عبر تعبئة قوى المجتمع على الأرض والتزام خيار المقاومة الشاملة لتحرير الجولان لتكتمل حلقات المقاومة الشعبية من دمشق إلى بغداد إلى بيروت إلى فلسطين ضد العدو الإمبريالي ـ الصهيوني ـ الرجعي ومن يروج له باسم الواقعية والليبرالية الجديدة والتطبيع مع الكيان الصهيوني أو الانحناء أمام المطالب الأمريكية والتي كان آخرها القرار العدواني الجديد رقم 1680.. أول أمس كنا حوله في المشفى وكان من بين آخر أسئلته: هل خرج الرفيق حبيب الضعضي من المعتقل؟

كان أبو المجد واعياً ومدركاً لحجم كل هذه المخاطر الخارجية والداخلية. فهذا الغاضب طبقياً، لم يغضب إلا لأن أرصفة العالم وأرصفه بلده مازالت تزدحم بالفقراء والمهمشين. ومن هنا كان نسراً عمالياً ـ نقابياً لم يشغله سؤال الموت مادام يشرف على الصفحة النقابية في جريدته (قاسيون) وهو العضو في هيئة تحريرها، ويكتب زاويته الدائمة تحت عنوان «بصراحة» لأن الكتابة وكل زاوية بالنسبة له نصر صغير وحلقة في سلسلة الانتصار اللاحق على الموت والمشتغلين. وقبل ذلك على قوى الفساد التي كان يعتبرها عدوه الأول مثلما هي عدو الشعب والوطن بأكمله...

أبو المجد لم يراهن يوماً إلا على القدرات الهائلة للشعب. وإذا كان كثيرون قد تزعزعوا في منتصف الطريق، فإن المناضل العمالي الشيوعي سهيل قوطرش ازداد تشبثاً بالاشتراكية وبالطريق التي سلكها من أجل الدفاع عن الوطن وعن لقمة الشعب، ومن هنا ندرك أن الراحل الغالي تحول إلى ورشة حياة بين الناس يعيش همومهم وآلامهم ويناضل من أجلهم ويزرع فيهم حقيقة الانتصار القادم لامحالة، رغم كل مايحيق بالوطن من مخاطر وصعوبات.

أبو المجد الآن أقل موتاً من بعض الأحياء وأكثر حياة من الذين يتعلقون بأهداب المكاسب والنفعية.

إن حبك للنضال وثباتك على المبادئ سيحفزان أجيال الشباب على متابعة المشوار من أجل كرامة الوطن والمواطن...

لن نقول وداعاً لأنك من الرجال الرجال الذين بحضورهم وغيابهم استثنائيين... رحلت جسداً وتبقى لنا مثلاً وقدوة.

ستبقى قدوة وحافزاً

● ثم اختتم عريف الحفل الكلمات بقوله:

مهما تنوعت انطباعات وذكريات الأصدقاء والرفاق حول ماعرفوه عنك وماعاشوه معك يا أبا المجد، يا سهيل، فهم لاشك يجمعون على أنهم فقدوا برحيلك رفيقاً عزيزاً وصديقاً محترماً ونقابياً مناضلاً وعاملاً بصدق وثبات من أجل وحدة جميع الشيوعيين السوريين، ووجهاً يفيض بكل الوفاء والإخلاص والطيبة والعزم، وستبقى صورتك تأتلق أمام عيون الأصدقاء والرفاق وبخاصة الشباب منهم الذين سيظلون يذكرونك حتماً قدوة وحافزاً يشد من صلابتهم وعزائمهم وكما قال الشاعر:

لا لم يمت فينا الصمود

وانطلقنا من جديد

نطلع الفجر السعيد

جنة من ياسمين

من رفاق طيبين

يعرفون الحب والسجن الرهيب

يملكون اللطف والعزم الحديد

شكراً لكم جميعاً... شكراً لكل من شاركنا وداع رفيقنا سهيل ونتمنى للجميع الصبر والسلوان، والصحة والعيش الكريم والسلام عليكم.