فشل تجربة المدرس الأول.. أسباب وسياسات

لقد مضى حوالي خمس سنوات تقريباً على تطبيق فكرة المدرس الأول التي أقرتها وزارة التربية لتطوير العملية التعليمية والتربوية (طرق التدريس) في البلاد ولم نلاحظ نتائج إيجابية وعملية تذكر على الواقع بل جلبت معها المزيد من الروتين البيروقراطي والبطالة المقنعة إلى أن وصلت التجربة برمتها إلى أفق مسدود.

فإذا كان للنظريات التربوية الحديثة ـ الفضل في تشخيص واقع المناهج وطرق التربية في القرن الماضي فإن للواقع الجديد معطيات أخرى لابد من معرفتها بدقة وفق رؤية علمية جديدة  لإنتاج أفكار جديدة تخدم تطوير تلك النظريات أخذين بعين الاعتبار العلاقة الجدلية بين محاور تلك العملية التعليمية (الطالب ـ المدرسة ـ المنهاج ) وأهمية الخلل في أحد المحاور هو انعكاس للخلل في المحاور الأخرى، ونعتقد بأن الطروحات في هذا المجال تكاد لاتذكر (تجربة المدرس الأول) لتطويرها أو تفعيلها، ونتساءل هنا: أين هم أصحاب قرار تجربة المدرس الأول أمام هذه المتغيرات، فلو أخذنا تخفيض النصاب إلى 9 ساعات للمدرس المذكور كأحد نتائج ذلك القرار لوجدنا مزيداً من الترهل والتضارب في توزيع الحصص، أما تأمين فرص عمل للنصاب المتبقي لخريجي الجامعات فهو محدود جداً وجاءت على حساب قضايا أخرى لاتقل أهمية عن التجربة ذاتها.

ولكن تخفيف العبء عن الموجهين التربويين في العملية الميدانية رافقها إهمال في المراقبة لواقع المدارس ولتقاريرهم المختلفة وإضعاف لدورهم بالإشراف على المدرسين، بالإضافة إلى مسألة أخرى وهي الحساسية التي تشكلت بين المدرسين أنفسهم وأمام هذا الواقع التربوي في المدارس تكمن الرؤية الصحيحة في القاعدة التعليمية والتربوية (المدرسين ـ الطلاب ـ المدراء).

وبقناعتنا فإن هذه الرؤية لابد من مناقشتها  من أجل تفعيل تلك التجربة التي أعطت نتائج سلبية حقيقية ولذلك لابد من تسليط الأضواء على الثغرات الموجودة في بنية هذه التجربة والمتمثلة بـ:

1. طريقة الانتخاب لم تكن صحيحة لأنها لم تعط المدرسين الذين يتمتعون بالخبرة الكافية والمهارة رغم القدم الوظيفي لهم فسيطرت المزاجية والولاءات والمحسوبيات.

2. لم يخضع هؤلاء المدرسون (الأوائل) لدورة تدريبية تبين كيفية التعليم على أسس موحدة وفق برامج زمنية مدروسة، وصلاحيات تفعل العمل ليس أكثر.

3. عدم الأخذ بعين الاعتبار الحساسية الممكنة بين المدرسين في المدرسة نفسها وانعكاسات ذلك على الواقع التدريسي.

4. عدم وجود مستلزمات تدفع بالطرق التقليدية لدى المدرس إلى ابتكار طرق حديثة.

5. الافتقار للآليات بين عمل المدرس (الأول) والجهاز الإداري وتجنب الوقوع في مستنقع المصادمات.

ومن خلال الوقوف بشكل جدي على أهمية هذه الثغرات ورؤية النتائج التي انبثقت عنها يتبين بأن آفاق تطوير طرق التدريس بواسطة تلك التجربة أصبحت ضبابية  ولم تعط إلا الفشل الواضح في المدارس ولذلك فإن معرفة أسباب خللها تدفعنا باتجاه معالجتها وفق قواعد وأسس واضحة تنتجها القاعدة التعليمية  والتربوية، وبرأينا الوصول إلى تطبيق طرق حديثة في مدارسنا يكون من خلال أخذ التجارب الناجحة الدولية وتأمين مستلزماتها في الواقع مع مراعاة خصوصية الواقع التعليمي والتربوي الموروث في المجتمع ودون إغفال مأساة الواقع المادي للمدرسين.

 

■ عابدين رشيد