الإحصاء الاستثنائي.. هل تنتهي المأساة؟؟

عشية صدور العدد 258 من جريدة قاسيون، أقرت اللجنة المركزية لحزب البعث العربي الاشتراكي رفع قانون الإحصاء الاستثنائي «المشؤوم» إلى مجلس الشعب من أجل المعالجة، مما ترك في الشارع السوري عموماً وبين المواطنين الأكراد السوريين خصوصاً ردود أفعال إيجابية باعتبار أن هذا الموضوع أصبح قضية هامة ترتبط بمعظم القضايا التي تهم الشعب السوري برمته، وبات حلها ، وبرأي الجميع، قضية وطنية وطبقية بامتياز، نتيجة ما تركته من آثار سلبية على مدى العقود الأربعة الماضية على المواطنين الأكراد السوريين الذين جردوا من حقوقهم المدنية.

مشاكل بالجملة

مشاكل الحرمان من الجنسية تأذى منها الجميع، الكبار والصغار، فمن التلميذ الابتدائي الذي لم يكن يستطيع أن يفرق بين كلمة الأجنبي كما هو مكتوب على البطاقة الحمراء الخاصة به، وبين كلمة المواطنية، فكان لا هذا ولا ذاك، إلى حاملي الشهادات السورية ومن جميع فروع الجامعة، إلى ذلك الموظف الذي لم يثبت بعدْ ولم يترفع في عمله بعد خدمة 20 عاماً مواطناً مكافحاً وشريفاً وفاضحاً للفساد، إلى ذلك القانوني الذي تخرج من جامعة دمشق كلية الحقوق ليدافع عن حقوق المظلومين والمضطهدين وهو بحاجة لمن يدافع عن حقوقه، إلى ذلك الفلاح الذي أصبح عمره سبعين عاماً ولا يزال يحلم أن «يطوَب» أرضه باسمه ليفرح بها بقية أيامه الباقية، إلى ذلك الذي لديه «دزينة» من الأولاد ولا يملك أي صك يثبت بأنه متزوج أو أن هؤلاء الأولاد فلذات أكباده هم أولاده، كل هؤلاء هم الذين ظلوا يدفعون الثمن طوال أكثر من أربعين عاماً وما يزالون..

إنها مآسي كثيرة تحتاج إلى آلاف الصفحات لتعبر عن آلام أصحابها، ولكن يبقى للأمل فسحة، وها هو الأمل يطفو إلى النور بعد طول انتظار ومعاناة، فماذا قال هؤلاء المواطنين بعد صدور القرار؟ وماذا كانت ردود أفعالهم بعد ذلك؟ قاسيون كانت لها هذه الوقفة:

عبد المجيد ص (إجازة في الحقوق سنة 1999): مجرد الحديث عن قانون الإحصاء الاستثنائي في الصحافة الرسمية يعتبر بارقة أمل، لذا أرجو من الجهات المعنية إعادة الجنسية إلى الذين جردوا منها إثر الإحصاء الجائر، والذي حرمهم من حق المواطنة، وما ترتب على ذلك من آثار سلبية جداً، ولا سيما هجرة الشباب إلى الخارج، علماً أن قانون الجنسية السورية يمنح حق المواطنة بطرق قانونية بحكم القانون والإقليم وقانون الدم، وما حصل لنا ليس بموضوع حقوقي، وإنما موضوع سياسي وطبقي، وأخيراً لنا ثقة بأن الجنسية سوف تعود إلى المجردين.

الأمل المنتظر

علي سيف الدين (إجازة في الحقوق): إن موضوع الجنسية كان مشكلة منذ أكثر من أربعين عاماً وحتى اللحظة، أما بالنسبة لآثارها ونتائجها، فهي تختلف حسب موقع وحالة وظرف وحاجة كل شخص، بالنسبة لي شخصياً لم أعتبرها مشكلة حقيقية بحد ذاتها في حياتي الطلابية الماضية، رغم إنها كانت انتقاصاً من حياتي الشخصية، إلا أنني بدأت أشعر بآثار الحرمان من الجنسية بشكل فعلي عندما انتهيت من المرحلة الثانوية، ومع ذلك مددت فترة الحرمان أتوماتيكياً لمدة خمس سنوات أخرى قابلة للتجديد، لعل شيئاً جديداً يحدث أو على الأقل حتى أتخرج من الجامعة ومن أية كلية، كلية الحقوق، لكي أدافع عن حقوق الغير، وأنا لا أمتلك تلك الحقوق. ولكن هذه الفترة أيضاً انتهت، وهذا الأمل الذي انتظرته وانتظره الكثيرون لم يأت بعد ولم يتحقق حتى اللحظة. أما الآن وبعد أن يئست وفقدت الأمل، فأنا لا أعتبره معجزة ولم أنظر إليه بأنه خطوة جبارة في تغيير مسار حياتي، لأن الفاس قد وقع بالرأس وشهادتي ماتت بالتقادم بعد أن مر عليها تسع سنوات دون أن تعمل، ولم أعد أعلق أي آمال على اكتساب الجنسية، وإن حصلت فهي ضربة حظ، وإن لم تحصل فهي فعلت فعلتها وانتهت مع أنني أتمنى حصولها بأسرع وقت حتى يستفيد غيري منها، وفي كل الأحوال إذا تم ذلك فأنا أشكر جهود كل المعنيين بها والمناضلين من أجلها.

إدريس باور (إجازة في التجارة والاقتصاد): يقول: لقد دفعنا ثمن التجريد من الجنسية غالباً بسبب حرماننا من حق المواطنة، وكنا بعد صدور القرار الأخير نأمل أن يتم تعويضنا عما سببه هذا الحرمان من معاناة على الصعيد الوظيفي والحقوقي والمطلبي، ونرجو من الجهات المعنية تنفيذ وعودها المتلاحقة وطي صفحة المأساة الطويلة وسياسة التسويف.

فواز عبد الحميد: يقول وفي قلبه ألف حسرة: إن مديرية التربية والوزارة احتفظت بوثيقته الإعدادية ثلاث سنوات ورفضت إعطاءه إياها بحجة أنه مكتوم القيد، ورغم الواسطات التي تدخلت من أجله حتى وصلت إلى أعضاء في مجلس الشعب، لم يفلح بأخذ الوثيقة فقط بل وفوقها بهدلة مرتبة من رئيس دائرة الامتحانات الذي شبهه باللقيط الذي يؤخذ من الشارع، ثم طرده من مكتبه، وهدده إن عاد ثانية فسيأخذ منه شهادة التعريف التي يحملها، يقول: «لم أعرف كيف خرجت من مكتبه، ولكني أحمد الله أنني نفدت بريشي، ولكن من سيعيد لي كرامتي بعد هذه البهدلة وبعد صدور القرار.

صالح س: لاعب كرة القدم يقول: أعطيت نصف عمري لهوايتي الوحيدة ولم أتمكن ؟؟؟ عدم حملي الهوية السورية حرمني من الانضمام إلى أي نادي سوري، وبالتالي حرمت من تحقيق حلمي الجميل والبسيط بأن ألعب في يوم من الأيام لمنتخب الوطن وأرفع علمه عالياً، لعبت لجميع الأحياء الشعبية في المحافظة ومدنها، وأينما حللت ولعبت ووقعت عيون المدربين علي، كانوا يطلبونني، ولكنهم كانوا يصطدمون دائماً عند دعوتي للنوادي بأنني لا أحمل الجنسية، ولا يحق لي اللعب مع أي نادٍ. يضيف: هذا هو حال مئات اللاعبين الشباب في المحافظة، وحتى في جميع الألعاب (الفردية والجماعية)، النتيجة دائماً «على حد قوله»: (أندية فاشلة)، دوري سوري مسخرة، منتخبات فاشلة وفي ذيل التصنيف.

حرمان من كل شيئ

زيدان نوح (إجازة في الحقوق): يقول أنني مجرد من الجنسية وبسبب هذه السياسة عانيت الكثير، ولا أملك شيئاً سوى حفنة أولاد وأفواه جائعة. وكنا نعتمد على التكليف في تدريس الساعات الدراسية، ولكن من مخلفات التجريد، تم حرماننا هذا العام من مسألة التكليف أيضاً، ليزيدوا من معاناتي فليس لدي سوى الحيرة والتفكير المتواصل في أولادي ومعيشتهم بالدرجة الأولى، وعسى أن يكون القرار هذه المرة حقيقياً.

 يقول أحد الآباء: ابني أصبح الآن في الثانوية، ولكن عندما كان صغيراً وعلى ما أذكر في الصف الثاني الابتدائي ونتيجة ما سمعه منا من أحاديث حول معاناتنا كأجانب مجردين من الجنسية السورية، وما كنا نعانيه آنذاك أمام المؤسسات الاستهلاكية نحن وطوابير من البشر نتيجة الغلاء الفاحش في الثمانينات،  وحين سألته المعلمة في المدرسة: هل أنتم مواطنون أم أجانب يا خالد؟ كان جوابه مفاجئاً وصاعقاً للمعلمة إذ قال لها: «لا يا آنسة، نحن شيوعيون»، ولعله بطفولته وبراءته ظن بأن أفضل كلمة تقال بدل الأجانب هي هذه!!

عبده. ل: يقول لن أتحدث سوى عن نقطة واحدة، وهي كيف لي ولأخي ونحن من نقس الأب والأم، وهو يكبرني بعدة سنوات وأنا أحمل الجنسية وهو لا. ونتيجة للحديث المتداول بأن الأجانب لا يحق لهم شيئاً في الحياة تسرب جميع أولاده من المدرسة، فمن يعوضه عن ذلك بعد صدور القرار؟؟

صالح ن. (فنان تشكيلي): يقول شاركت بعدة معارض جماعية ومعرض فردي، ولكني مثل غيري عانيت الكثير من هذا الإحصاء المشؤوم، وآخرها دعوة إحدى الدول الأوربية لي لإقامة معرض في إحدى مدنها، وعلى نفقتهم. ولكن هيهات فقد عانيت ما عانيت على الحدود، ورغم كل المحاولات لم أنجح بإقامة المعرض، وضاع عليّ حلم تمثيل الوطن في المحافل الدولية، فمنع علينا حق الدخول والخروج حتى إلى دولة لبنان الشقيقة التي تربطنا بها علاقات جيدة جداً، ولم يسمحوا لي بإقامة معرض هناك، حتى قال لي أحدهم على الحدود صحيح أنك فنان، ولكن هذا لا يغير شيئاً من موقعكم كمواطنين من درجة خامسة، فتصور يا عزيزي، فنان يعمل بلوحة لعشرات الساعات، وأخيراً يقال له هذا الكلام، وهذا الاستقبال، فماذا سيكون إحساسه؟ أخيراً أتمنى أن يأخذ القرار طريقه إلى السريان.

أما آن الآوان؟؟

علي ع. (إجازة الحقوق عام 1987): حاول الانتساب إلى نقابة المحامين بدمشق لممارسة مهنة المحاماة لتحقيق حلمه منذ طفولته بالدفاع عن المظلومين، ولكن كونه من المجردين من الجنسية السورية حسب المرسوم التشريعي رقم 63 تاريخ 15/10/1962 عمل لدى إحدى شركات الإنشاءات العامة، منذ ذلك التاريخ ولم يثبت وبقي حتى الآن مؤقتاً يعمل بموجب صك، وبعد أن تجاوز الأربعين ليس لديه نفس الحماس لممارسة مهنته.

وتابع يقول: إذا تكرم السادة أعضاء المجلس بمناقشة الموضوع بدفع الغبن عن هذه الشريحة الكثيرة والكبيرة من أبناء محافظة الحسكة لاستكمال صدور المرسوم استناداً لتوصيات المؤتمر القطري العاشر للحزب البعث وحصل على حق المواطنة يتوجب أن ينص المرسوم صراحة سريانه بمفعول رجعي لأن حرمانهم من الجنسية السورية مخالفة للدستور السوري، فعلى سبيل المثال لا الحصر يجب تثبيت العمال الذين يعملون في مؤسسات الدولة بصفة مؤقتة كونهم محرومين من الجنسية السورية شريطة أن تتوافر فيهم الشروط المطلوبة أثناء تثبت أقرانهم، وكذلك تخفيض سن خدمة العلم كون جميع من ولدوا بعد 15/10/1962 وهو تاريخ المرسوم الذي صدر عن حكومة الانفصال هم بحكم عمر خدمة العلم، وهذا يشكل عبئاً على عائلاتهم وخاصة أن هناك في العائلة الواحدة أكثر من أربعة أشخاص متزوجين ولهم أطفال... وأخيراً أرى بأن منح هؤلاء حق المواطنة يعزز الوحدة الوطنية بقطع الطريق أمام الغزاة والمندحرين.

فهل آن الأوان لطي صفحة من الوعود المتكررة والانتظار؟ وهل أتى الوقت المناسب لحل آثار هذا الإحصاء المشؤوم والمفضوح لكي نحقق حلم الحقوقيين في الدفاع عن المظلومين؟ وأن نجعل أطفالنا يعيشون حياتهم بكل براءة وسعادة؟ وأن نعطي لذلك الرياضي فسحة ليجعل من الرياضة سلاماً ومحبة؟ وأن يتاح المجال لذلك الفنان ليرسم لوحة فسيفسائية تشمل هذا النسيج الوطني الجميل بكل أطيافه ماحياً من ذاكرته ذلك الشرطي وتلك القيود ولتعود الأمور إلى مجاريها تعزيزاً للوحدة الوطنية.

الوطن في خطر... ولا مساومة

■ علي نمر

 

عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.