بمناسبة مرور أربعين يوما على رحيله كمال مراد يجمع الرفاق والأصدقاء على شرفات الأمل ..

يا لهذا الخريف، كم كانت رياحه قاسية علينا، ثقيلة على قلوبنا، فقد حملت في هباتها واحداً من رفاقنا الأعزاء الذين كانوا يسخرون من الموت في كل لحظة.. لقد ترجل فارس آخر والمسيرة لم ولن تتوقف.. ولكم علينا أن نشعر بالألم ومرارة الفقدان ونحن نمضي بمسيرتنا إلى الأمام..

كمال مراد، الرفيق الصلب، الصحفي المتفاني، الإنسان الرقيق، المخلص حتى الرمق الأخير لقناعاته، رحل بصمت ودون مقدمات، واليوم نتذكر جميعاً ابتسامته الساخرة المليئة بالحزن والأمل، نتذكر تعليقاته الساخرة التي كانت تخفف عنا هول المصاعب وتحرك الجمر في ثنايا الرماد المتراكم ليقول لنا أبداً كما قال شاعرنا العظيم بابلو نيرودا: «قد يقتلون الأزهار كلها، لكنهم لن يمنعوا الربيع من المجيء»..

بهذه الكلمات افتتح الرفيق حبيب الضعضي «أبو خالد» الحفل التأبيني للرفيق كمال مراد سكرتير تحرير صحيفة «قاسيون» وأحد أعمدة الصحافة الشيوعية الحديثة في سورية الذي وافته المنية في يوم 5/9/2005 بعد أن أمضى أكثر من 20 عاماً من عمره وهو ينتقل بين صفحات الصحافة الشيوعية من محرر صحفي إلى كاتب تحقيقات إلى مخرج صحفي إلى كاتب زاوية إلى سكرتير تحرير حتى أصبح من العسير الحديث عن هذه الصحافة دون ذكر الرفيق كمال مراد...

وقد ألقى الرفيق علاء عرفات في هذه المناسبة كلمة باسم اللجنة المنطقية في دمشق جاء فيها: «إن لقاءنا اليوم هو لنتذكر معاً رفيقاً عزيزاً عرفناه جميعاً وعشنا معه سنوات طوال، هذا الرفيق الذي قضى عمره وهو يعمل في الحزب الشيوعي السوري قادماً من صفوف اتحاد الشباب الديمقراطي، وعمل في كافة المستويات مدافعاً عن الوطن والفكر والمبادئ، عرفه الجميع شاباً متحمساً وثورياً ونقياً ومثابراً في الاجتماعات والمؤتمرات في تحرير الصحافة والمنشورات الحزبية وفي المظاهرات والاعتصامات، وهو اليوم حاضر بيننا ونحن حاضرون لأجله..».

الرفيق أبو بحر، هو أحد الرفاق الذين تجاوزوا تجربة الانقسامات المؤلمة في الحزب، وبعد المؤتمر التاسع كان أحد أكثر الذين اضطهدوا معنوياً ومادياً، ولكنه صمد مع من صمد وتابع من جديد طريقه مع الرفاق من أجل حزب شيوعي موحد يقوم بمهامه ودوره في المجتمع، والذين عملوا مع الرفيق أبي بحر في العمل الحزبي والصحفي يعرفون مدى الإخلاص الذي تمتع به هذا الرفيق ومدى الجهد الذي كان يبذله  من أجل إنجاز المهام، ويعرفون عنه أيضاً تشدده الأخلاقي وحسه المرهف العالي تجاه قضايا الناس والوطن، وكصحافي شيوعي وعبر متابعاته الميدانية، عُرف عنه التصاقه بهموم الناس، وكان دائماً يعتبرها همه الخاص، حيث لم يكتف بالكتابة عنها، بل كان ينتقل فوراً من موقع الصحفي إلى موقع النضال المباشر كما حدث في قضية استملاك «كفر سوسة» وغيرها..

لقد عاصر الرفيق أبو بحر صحافة الحزب منذ عشرين عاماً، عندما كانت يدوية، ثم عندما تحولت إلى صحافة تنجز إلكترونياً، وبين المرحلتين كان جهده يزداد ولاينقص، حيث كان يقضي ساعات طويلة وليالي من السهر لإنجاز الجريدة وإطلاقها، وفي جميع الأحوال كان يمكن الاطمئنان إلى أن أبا بحر سينجز العمل، فقد كان مصدراً كبيراً للثقة التي تحولت إلى ميزة اسمها المتابعة والإخلاص في العمل..».

ثم ألقى بعد ذلك الأستاذ ثابت مراد كلمة باسم عائلة الفقيد قال فيها:

«يعز علينا أن نقف مودعين أبا بحر بمناسبة أربعين يوماً على غيابه المؤلم، معزين بعضناً بعضاً بأن جسده الرقيق الذي أفل، إنما لتزهر أفكاره على طريق النضال الطويل، وأن تبقى سجاياه ناقوساً يستيقظ على صداه النائمون عن متاعب الوطن والمواطن، الوطن الذي تستبيحه الأحلاف الاستعمارية حتى أقصاه، والمواطن الذي يئن من النهب المعمم لخيرات بلاده، ويترنح تحت سواطير الطوارئ والأحكام العرفية والمحاكم الاستثنائية المفصلة على قياس جلاوزة يسهرون على إقصاء المواطن وتجهيله، وإبقائه رقماً في حساباتهم ليس إلا».

إن التاريخ يعلمنا أن الوطن الذي ينقسم مواطنوه مستعبد ومستعبد..بين سيد وعبد يسهل اختراقه من قوى البغض الخارجية، بينما المواطنون الأحرار هم درع الوطن وحماته مهما تجهم الليل وحلكت الظروف، وهذا يحتم علينا جميعاً ضرورة المسارعة إلى الحوار الحضاري لإنقاذ المشترك بيننا  جميعاً، وهل يوجد مشترك أهم من حرية الوطن والمواطن».

إننا كعائلة نكبر بكمال الذي سما فكراً ومنهجاً نحو العائلة الأكبر، عائلة الرفاق في الحزب الشيوعي السوري وعائلة الشيوعيين جميعاً، فتحية لكم أيها الرفاق الأعزاء، ولن تبرح مسامعنا نداءاتكم المتكررة من أجل وحدة الشيوعيين ونضالاتكم على طريق التقدم والحرية والاشتراكية..»

أما كلمة أصدقاء الفقيد فقد ارتجلها الرفيق عبادة بوظو، وجاء فيها:

«عندما أذكر الرفيق كمال مراد، تحضرني عدة صفات اجتمعت كلها في شخص واحد، كمال مراد، أخ وصديق ورفيق وإنسان، وهي صفات بالوضع الطبيعي لايمكن فصلها عن أي إنسان فكيف تكون هذه الصفات مع شخص كمال مراد وهو الذي تمتع بشخصية واحدة والأهم أنها واضحة ليكون شخصاً نادر التكرار..

وعندما أتحدث عن كمال مراد كأخ أشعر بأنه لايحق لي أن أغوص في تفاصيل هذا الجانب، كمال مراد الصديق عُرف عنه منطق الأخذ والعطاء مع ميله إلى جانب العطاء أكثر وأكثر، وكمال مراد الرفيق الذي قيل عنه الكثير وسيقال عنه الكثير أيضاً عُرف عنه منطق الوفاء للمبادئ لامنطق الموظف وهو منطق فرضه على نفسه وعلى المحيطين به... أما للذين لايعرفون عنه الكثير، فقد كان أبو بحر إلى جانب هذه الصفات مصوراً وشاعراً ورساماً،وكان يزود الجريدة برسوماته عندما كانت يدوية...

في الجانب الشخصي، كان كمال مراد صديقاًَ وزوجاً محباً وعطوفاً والأهم أنه ترك لنا تلك الثمرة الطافحة بالحب والعطاء والذكاء «بحر» وإلى فترة طويلة على ماأعتقد سأبقى أذكر إطلالته الصباحية على منزل عائلتي صباحاً هو وزوجته بعد أن يوصلا «بحر» إلى المدرسة في طقس شبه يومي لتناول القهوة، وسأذكر طويلاً معاناته أثناء زواجه «السري» بسبب الملاحقة الاجتماعية له ولزوجته وسأذكر طويلاً رحلته الطويلة مع الفقر حين كان يقطن مستودعاً مليئاً بالغبار الذي أثر على صحته وصحة ابنه وزوجته، وكل هذه الضغوطات التي انهالت عليه من كل الجهات حزبياً واجتماعياً وطبقياً ومعيشياً لم تؤثر على عطائه ولم يجد في ذلك مبرراً للهرب والمساومة، بل وجد فيها سبباً جدياً للنضال والمثابرة، واليوم نودعه لنواصل المهمة ذاتها رغم فداحة خسارتنا غير القابلة للتعويض في كل الأحوال.. ولكننا سنمضي..

بعد ذلك كانت الكلمة التي ألقاها الرفيق قدري جميل باسم هيئة تحرير «قاسيون» وذكر فيها مزايا الفقيد وحبه للعمل وإيمانه العميق بالمبادئ التي حملها وشجاعته في قول الحقيقة والتصاقه بهموم الناس، وقال:

«يصعب علي الحديث في هذه المناسبة لأنني اكتشفت فجأة بأنني كنت أعمل مع الرفيق كمال مراد منذ عشرين عاماً وبرحيله شعرت بأنني فقدت جزءاً مني، لقد جاء الرفيق الراحل إلى الصحافة الحزبية رسمياً من العام 1992 بعد المؤتمر السابع مع أبو خلدون وأبو محمد ورفاق آخرين، جئنا جميعاً من صحيفة «قاسيون» التي كانت تنطق آنذاك باسم اللجنة المنطقية للحزب في دمشق، وبفضل هؤلاء الرفاق لاقت هذه الجريدة انتشاراً واسعاً ليس في دمشق فقط بل في جميع المحافظات وبدأت تشكل عامل ضغط كبير على هيئة تحرير صحيفة نضال الشعب، حتى جاء المؤتمر السابع وقامت القيادة الجديدة بنقل طاقم «قاسيون» إلى نضال الشعب علماً بأن الوضع الجديد لم يكن سهلاً، فقد تعبناً كثيراً حتى تمكنا من نقل الجريدة إلى ثماني صفحات بعد أن كانت أربعاً، وتعبنا كثيراً  حتى انتقلنا من لون واحد إلى لونين، وتعبنا كثيراً حتى انتقلنا من صيغة التوزيع المجاني إلى صيغة الاشتراك، وللأمانة التاريخية لولا دعم الرفيق خالد بكداش شخصياً والجهد الذي كان يبذله الرفيق كمال مراد لما أمكن هذا الانتقال كله، وأذكر تماماً أن  الجهد الكبير الذي بذله الرفيق أبو بحر قبل إصدار العدد 500 من نضال الشعب بحلتها الجديدة، لقد عمل وقتها أبو بحر 48 ساعة متواصلة من أجل تصميم اللوغو الجديد للجريدة كي نتمكن من إصدارها في الوقت المحدد، وفي كل المراحل، كان أبو مفيد موجوداً بقوة حيث يصعب الآن الحديث عن تاريخ الصحافة الشيوعية في سورية دون ذكر الرفيق كمال مراد كأحد أبرز محرريها.........

من جهة ثانية، كان أول من تعرض للاضطهاد بعد المؤتمر التاسع للحزب هو الرفيق أبو مفيد ولكن ذلك لم يجر صدفة لأن أبا بحر كان شخصاً صريحاً وجريئاً ولايستطيع إخفاء مشاعره فجعلوا منه الضحية الأولى، وهذا شرف كبير له، وستتحول الرسالة التي نشرها بعد ذلك إلى وثيقة تاريخية هامة بسبب قيمتها الإنسانية والوجدانية وتسجيلها لحقائق هامة في مرحلة من أهم مراحل التحول في الحزب، وبالإضافة إلى ذلك عرف عن أبي مفيد حبه العميق لعمله، وأثناء مرضه قبل ثلاث سنوات أصر علينا أن نقوم بتأهيل مخرجين جدد للجريدة وقام هو بنفسه بتدريبهم ولذلك عندما رحل قلنا: «من خلف ما مات».

لقد قلناها بداية ونعود لنقولها مؤكدين واثقين، أن دربنا المليء بالصعاب حمل الكثير من النجاحات كما حمل بعض الخسائر، هذا الدرب الذي كان رفيقنا كمال أبو بحر واحداً ممن حملوا الراية غير آبهين بأي صعوبات...

 

نقول بأن عزاءنا هو أننا ماضون في هذا الدرب النبيل حاملين فكرنا، مناضلين من أجل كرامة الوطن وكرامة المواطن......