ماذا تقول يا صاحبي فقاعات في الهواء

تتوضح يوماً بعد يوم، وبكل جلاء التوجهات (الرسمية) صوب أوضاع افتراضية، تصاغ وتحبك وفق خطة مرسومة، جرى ويجري (تمريرها) لتغدو واقعاً يلتهم جهد الناس، ويستلب شعورهم بالأمان، ليحيلهم إلى مهمشين لاهثين خلف لقمة عيشهم وبشق الأنفس، والعشاء كما يقال: خبيزة.

-أتقصد أن ما وصلنا إليه من واقع قاس وشاق هو نتيجة خطة محبوكة سابقاً؟!

■ نعم هذا ما عنيته، ويكفي أن تستعيد من الأمس ما كان يطرح من شعارات تضج أصداؤها في كل ميدان ومكان «معلنة ًتوجهات السلطة». تلك الشعارات التي أفرغت من مضمونها وأصبحت (وسيلة) وجواز مرور لتوطيد قبضة الأيدي ولجم اندفاعات جماهير الشعب بعد سلبها القدرة على الاستمرار لتنكفىء على نفسها يائسة محبطة في الوقت الذي أفسح ويفسح فيه المجال واسعاً أمام حيتان الطفيلية والبيروقراطية لتنهب الدولة والشعب، وحتى لقمة العيش دون أن ترف في (وجدانها) نبضة حس، فكيف بنبضة تعاطف مع جموع المهمشين المهمشين.

ألم ترها كيف استحوذت وسيطرت على القرار الاقتصادي ومن ثم كيف اندفعت بسعي محموم للسيطرة على القرار السياسي ممهدة الدرب للاجتياح الخارجي والقضاء على السيادة الوطنية.

-أراك ترسم صورة سوداوية للواقع وتقسو في حكمك على الأمور وأظن أن مرد ذلك هو أن الذي يتكلم بلسانك الآن هو العاطفة والانفعال... وبرأيي أن صعوبات الواقع لا تعالج بالانفعال والعاطفة، بل بتشخيص الداء ووضع العلاج المناسب وهذا يستوجب أن تلاحظ اليوم تلك التوجهات التي تسعى للإصلاح والخلاص من الفساد... وهذا ما يصرح به المسؤولون فهم يرغبون جادين في تخفيف معاناة الجماهير ويعلنون ذلك عبر الإعلام المسموع والمقروء والمرئي... أو لم تسمع وتقرأ وترى اقتصاد السوق الاجتماعي... وعشرات الندوات والمؤتمرات الإعلامية؟!

■ أنا لا أتكلم من فراغ، وإنما أتكلم من وعن واقع يعيشه ويعيش مصاعبه معظم الناس... ومن ذا الذي لا يرى مظاهر التناقض الصارخ في المجتمع، فالقصور والمزارع وبذخ العيش يصفع عيون جماهير الشعب، وأخبار الأرصدة المودعة في الخارج ترددها محطات التلفزة. في الوقت الذي تكتوي فيه الغالبية من قلة الدخل وجنون ارتفاع الأسعار وانحسار فرص العمل إلى درجة مخيفة بحيث أصبح ملايين الشباب لا يرون فرص العمل إلا في أحلامهم وأوهامهم. وما تتكلم عنه من اقتصاد السوق الاجتماعي وتصريحات المسؤولين ليس في الواقع إلا ارتداداً فاضحاً عن شعارات الأمس وتحولاً إلى الجهة المعاكسة ومعظم أفراد الشعب يدركون حقيقة ما يجري... وبتحديد أكثر فهم يدركون أن مجمل ما صدر من قرارات اقتصادية صب ويصب في (خانة) الأغنياء على حساب جهد وقوت الجماهير الشعبية، لقد رأوا ويرون بأم أعينهم كيف أن المكتسبات التي حققتها نضالات وتضحيات الشعب تعرضت وتتعرض للتصفية دون أن يجد المسؤولون حرجاً في التنكر لها. وحتى الجهر بضرورة الاستعاضة عنها بشعار (العقد شريعة المتعاقدين)، واسمح لي أن أقول وبصريح العبارة: إن كلام المسؤولين أصبح يسوّق بحسب المخاطب إما إرضاءً وإما تضليلاً ووعود سراب. ويكفي أن أذكرك ببعض الأمثلة لتدرك معي جوهر الواقع الذي يتبدى أكثر وأكثر يوماً بعد يوم. فعندها يخاطب المسؤولون أصحاب الدخول اللامحدودة يندفعون لكسب ودهم ورضاهم قائلين لهم: «قلمكم أخضر» وهذا هو الواقع على حقيقته. أما عندما يوجهون كلامهم إلى جماهير الشعب ـ أصحاب الدخل المحدود ـ فيصوغون عبارات التطمين الخادعة لذر الغبار في العيون لتحجب عنها رؤية وفهم الواقع. واقرب مثال (طازج) ما نقلته الصحف عن السيد رئيس مجلس الوزراء:

«لدينا مشروعات لخلق فرص عمل لثلاثة ملايين مواطن».

- أوليس هذا كلاماً مفرحاً وطيباً؟! ويؤكد رغبة الحكومة في الخلاص من البطالة والفقر والحاجة.

■ لو كان الكلام يحمل مضموناً إيجابياً حقيقياً يستند إلى الواقع المعاش لسارعت ألمانيا إلى الاستفادة منه، وهي كما يعرف الجميع من أكبر وأغنى دول أوربا، وتعاني من عطالة خمسة ملايين مواطن وتتصارع أحزابها للتخفيف من نسبة العاطلين عن العمل... فماذا تقول يا صاحبي؟!

 

■ محمد علي طه