رحيل مباغت
جاء إلى الحياة كالشهاب، ولكنه لم يختف، ذلك أن ضياءه مازال وسيبقى في قلوب محبيه، جاء للحياة ليغيرها لذا شارك في النضال مبكرا كي يصبح الوطن أكثر جمالا وكما عاش دائما بصمت وهدوء ، مات كمال مراد الصحفي الخمسيني الشاب في هدوء ،مات وهو نائم من دون أن يصرخ، بل ربما مات مبتسما بدأ حياته مناضلا طلابيا ثوريا استوعب النتاجات الثقافية لعصره من مختلف الآداب وعرف كيف يمزج ذلك في كتاباته بأسلوب أدبي ساخر .
اكتب هذه الكلمات وأنا لا اصدق نفسي كيف يمكن أن يصبح كمال "ماضيا نتحدث عنه" كيف يمكن لهذا الإنسان الجميل وهذه الأفكار المتلاطمة أن تصمت فجأة ،وهو الذي لم يبخل يوما أو يتراجع يوما ولم يتنازل أبدا..
لقد أختطفه الموت منا فجأة ليضاف حزننا الخاص عليه إلى زمن الحزن العام الذي نعيشه في يقظتنا ونومنا وفرحنا وحزننا في هذه السنوات التعسة
لم يصدق المئات من زملائه وأصدقائه ومعارفه أنه "لم يعد هنا"ولن يروه ثانية ففاضت العيون دموعا على الفراق الفاجع والمفاجئ.
ورغم كل التقلبات السياسية والفكرية ظل شيوعيا منحازا لطبقته المسحوقة مقاوما بقلمه ولسانه جميع أشكال التبعية والانتهازية والتسلق دون كلل.
رحل مفارقا عالمنا المزعج إلى العالم الذي سبق أن رحل إليه الشيخ إمام ونزار قباني و آخرون الصدمة شديدة على من يعرفونه ويحبونه وحتى الذين لم يكن بينه وبينهم ود شديد
ومازالت الذكرى تمتزج بالدموع والأسى والحسرة تملأ القلوب وعندما يبتعد الزمن سنستعيد الذكريات المرحة لأننا نستطيع وقتها أن نضحك ونبتسم
لقد رحل كمال تاركا زوجته وطفله وأحلامه العريضة ولم يخف إحساسه بالموت والغياب قبل ساعات من رحيله...
ورغم مداعبة أحد الأصدقاء له بقوله أبو بحر سنشرب القهوة معا ونحن نحتفل بذكرى الثمانين من عمرنا فكان رد الراحل إنني سأرحل قريبا يا صاحبي..
وصديق آخر يتحدث عن كمال والذكريات الكثيرة ويتذكر بكاء كمال على قبر والدته في قريته "بكا" صديقي كمال أراك تمتطي ظهر حصانك وتخترق حاجز ذهولنا لتقوي عزيمتنا و برحيلك المفاجئ والمباغت لم تودع أحداً وتركت الجميع يودعونك بدموعهم وبكائهم الصامت .
إن رحيلك خسارة فادحة لنا جميعا وحقك علينا يا رفيقي أن نحزن على فراقك وان يبدأ أصدقاؤك ورفاقك بإعداد احتفالية تليق بك لما قدمته لوطنك و حزبك وجريدتك المفضلة " قاسيون ".
لقد رحل كمال دون أن يتمكن من تحقيق أحلامه الصعبة في هذا الزمن الصعب
■ إبراهيم نمر