كمال مراد.. تصبح على وطن!

الشاعر.. الرسام.. المصمم.. المصور.. المحرر.. الصحفي.. المحلل السياسي.. الكادر الحزبي والشبابي.. العاشق.. المبدع.. المتمرد.. صفات وإمكانيات اجتمعت كلها لتصنع من أبي بحر، الشيوعي الإنسان المكافح.

واقف كالطود في وجه كل الاتهامات والطعان والضغوط التي انهالت عليه من بعض الجهات حزبياً واجتماعياً وحتى صحياً، بقي أبو بحر متمسكاً حتى الاحتشاء الأخير بكل خياراته: فنجان قهوة.. ونسخة بيده من تقرير الجلسة الثانية للمؤتمر الاستثنائي للحزب الشيوعي السوري.

خياراته: حزب جدير باسم الشيوعي وقابل لاستعادة دوره الوظيفي في البلاد تحت شعار كرامة الوطن والمواطن، قلم يدافع به عن الفقراء والمظلومين وضحايا الاستغلال أينما كانوا، زوجة.. شريكة.. صديقة.. نوّارة.. رفيقة درب قُطع قبل الأوان ولكنه لم ينس أن يترك ثمرة طافحة الطاقة كالبحر.. متوقدة الذكاء .. متعددة المواهب مثل أبيه.

■ تعب القلب.. لا يهم، العقل يعمل

■ تعبت العين.. لا يهم، القلم يكتب.

ضئيل بحجم محيط.. خلية نحل في رجل واحد «كان» أبو مفيد.

على امتداد قرابة خمسة عشر عاماً من العمل في صحافة الحزب وأدبياته، ترك أبو بحر إرثاً يحق لزوجته وابنه وأهله ورفاقه الافتخار به من بعده، ويصلح لأن يكون دليل عمل لزملاء ورفاق المهنة والنضال: مئات المقالات والاستطلاعات واللقاءات، عشرات التصاميم والرسوم والملصقات في مناسبات الحزب ومهرجاناته وندواته، مستوحية مواقف الحزب أو رموزه وشعاراته دون أن تحمل توقيعه ليبقى جندياً مجهولاً يعمل بصمت دون كلل ولا ملل واصلاً الليل بالنهار حتى ينجز المهمة ويصنع احتفالاً صغيراً متواضعاً كصاحبه.. فرِحاً فرح الأطفال بمنجزاتهم، منتقداً نواقص العمل بوعي الشيوعيين، مجروحاً كالنسر من أي ملاحظة ترِفة.

نزقً كعاصفة.. لطيف كنسمة.. مبتسم كفجر.. ضاحك بوجل الصبايا.. يتوجس آلام الناس ويمقت أكثر ما يمقت التشوه والانحرافات الأخلاقية التي تنتج انحرافات في الفكر والممارسة رافضاً ثقافة الهزيمة المعولمة وفكرها.

كادر مجرب في اتحاد الشباب الديمقراطي في سورية، ورفيق حزبي يقف في الصفوف الأولى في التظاهرات والاحتجاجات والاعتصامات أمام السفارة الأمريكية ومقر الاتحاد الأوربي انتصاراً لفلسطين والعراق ولبنان والجولان، وانتصاراً لحقوق من هدمت بيوتهم دون تأمين بديل، حبَّر أبو بحر قلمه من الشارع وكان عضواً في كل هيئات تحرير الصحافة الحزبية منذ أن كانت يدوية الإخراج، واستطاع أن يتكيف من إلصاقه الورق المطبوع على الماكيتات الزرقاء بالصمغ والسهر في المطابع إلى العمل على الحاسوب والإخراج الالكتروني، وفي كلتا الحالتين كان يتابع الطباعة ويتابع الرفاق بموادهم ليكون مدير تحرير من الطراز الأول.

مروراً بكل مطبوعات الحزب وكراساته العربية والإنكليزية عمل أبو بحر في دراسات اشتراكية، الطليعة نضال الشعب، وصولاً إلى قاسيون التي ساهمت جهوده إلى جانب جهود بقية الرفاق المعنيين في إطلاقها على ساحات الوطن كاملاً وعبر فضاءات الانترنت بعد أن كانت جريدة محصورة بدمشق.. دمشق التي سكنها أبو بحر وأحبها.. عَشِقَ حاراتها وزواريبها، مدافعاً عن تراثها ووجهها التاريخي بأبعاده المختلفة.

غنى مع رفاقه الشيخ إمام، ومارسيل، وسميح، وفيروز، و«يا علمنا رفرف بالعالي» ليسطّر بعد إنجاز مواد كل عدد من قاسيون رغم نفاذ طاقته زاوية كأنها استراحة محارب: تصبحون على وطن.

اتفقنا أم اختلفنا على تركيبته وبعض رؤاه لم ولن نختلف على جوهره الشيوعي النقي، وحضوره نادر التكرار، وإن خسارته هي خسارة لكل منظمات الحزب ولجان وحدة لشيوعيين السوريين.

إن هيئة تحرير قاسيون تفقد من خلال هذا الرحيل المفجع للرفيق أبو بحر، جسرها، الذي ودّع بالأمس القريب فقط رفيقنا أبا محمد عادل الملا، ومضى مع رفاقه في الجريدة بالجريدة.. واليوم نودّعه لنواصل المهمة ذاتها رغم فداحة خسارتنا غير القابلة للتعويض في كل الأحوال.. ولكننا سنمضي..

كمال مراد.. اختلط من يقدم العزاء فيك بمن يتقبله.. وها أنت تجمع الأهل والرفاق والأصدقاء الذين أحبوا صدقك وعطاءك..

 

كمال مراد.. تصبح على وطن..