وداعاً أبا بحر... ستبقى في قلوبنا

لم يكن يوم الإثنين الواقع في 5/9/2005 يوماً عادياً في حياة « صحيفة قاسيون » وحياة الرفاق الشيوعيين وأصدقائهم في عموم الوطن.... كان يوماً خريفياً رمادياً سقطت فيه ورقة خضراء يانعة قبل اكتمال الحلم وارتحال الطيور المهاجرة...

كذلك لم يكن اليوم التالي... نهار تآكله القلق والخوف والتوجس... ومساء انحاز إلى جهة الحزن والدمع والدهشة العارمة... أجل... لقد ترجل الفارس المحارب - كمال مراد - في لحظة مائلة عن عمر يناهز الخمسين وعمر حزبي يزيد عن الثلاثين عاماً، وذهب في رحلة الروح والريح والأغنيات إلى نجمة هاربة من الزمان والمكان والضجيج اللانهائي.... تاركاً خلفه مساحة للألم... والأمل... والذكريات التي سرعان ماراحت تنبجس دموعاً وعطراً... وحزناً دافئاً وطرياً... وفرحاً قادماً لامحالة!!

عشرات الرفاق والأصدقاء تحاملوا على أحزانهم، ورافقوه إلى قريته «بكّا» ليقولوا له وداعاً... وداعاً أيها الرفيق والصديق والمحارب... وهانحن ماضون ومستمرون في مسيرة النضال، لبناء عالمٍ جديد...

تشييع الرفيق «أبو بحر»

في «موقف» العزاء ارتجل الرفيق نعمان أبو فخر كلمة باسم الرفاق المعزين قال فيها:

نحن رفاق وأصدقاء الفقيد أبو مفيد كمال مراد الذي غادرنا ونحن بأمس الحاجة إليه، عرفناه إنساناً رقيقاً مرهف الحس، وبنفس الوقت مناضلاً عنيداً في الدفاع عن مصالح الناس ومصالح الوطن، ومكافحاً لاتلين له قناة في سبيل وحدة حزبه، وإرساء الوحدة الوطنية ضد أعداء الداخل الفاسدين، وضد أعداء الخارج المستعمرين.

لقد كانت سلته مليئةً بثمار المعرفة التي لم يبخل بها على رفاقه وحزبه.

ستظل ذكراه في ضمائرنا حية وأمثولة وقدوة لاتنسى.

نعزيكم ونتقبل التعازي معكم. 

معا ًعلى طريق تشرفنا بعبوره

ألقى الرفيق محمد علي طه كلمة باسم رفاق الفقيد في هيئة تحرير صحيفة قاسيون قال فيها:

حضرات الشيوخ الأجلاء...أيها الأخوة أهل الفقيد كمال مراد وأصدقاؤه وأقرباؤه... أيها الحضور الكريم:

في ساعة وداع رفيقنا كمال سكرتير تحرير قاسيون اسمحوا لنا نحن أسرة تحرير جريدة قاسيون أن نتقدم باسمنا وباسم رفاقه الذين شاركوه العمل جنباً إلى جنب سنوات وسنوات منذ أن بدأت صحيفة قاسيون، وكذلك خلال العمل في صحيفة نضال الشعب ومجلة الطليعة.. اسمحوا لنا أن نعبر عن عميق ألمنا وحزننا لفقدنا هذا الرفيق الغالي، الذي كان بحق وبجدارة يحمل على عاتقه القسط الأعظم من جهود الكتابة والإخراج، فهو لولب الحركة التي لم تعرف الكلل ولا الفتور، كتلة حية من نشاط وعطاء ومتابعة جدية صقلتها الخبرة وشحذتها دوافع الإخلاص والبذل الصادق.. فكتب الخبر والتحليل، وحاور واجهتد، وأمّد الصحيفة بما استطاع في شتى مجالات الكتابة الحزبية والمحلية والعربية والدولية، كتب وأجاد في الدعوة لوحدة الشيوعيين السوريين... وفي سبيل أوسع وحدة وطنية لمجابهة المخاطر الداخلية والخارجية التي تهدد الشعب والوطن، وإلى جانب ذلك كله كانت زاويته المتميزة «تصبحون على وطن» التي كرسها لتكون منبراً يحكي تطلعات وآمال شعبنا، ويصور هموم جماهيرنا الكادحة التي التزم بها الرفيق حتى الرمق الأخير، وباختصار كان في كتابته المعبر عن كرامة الوطن والمواطن، وقد رحل عنا دون ان نتوقع الرحيل، نودعه بعين دامعة وقلب حزين ونقول له، ونحن في رحاب جبل العرب الأشم: لقد فقدنا برحيلك واحداً ممن اختاروا وبشغف ميدان الصحافة، وارتضوا أن يعملوا في مجالها مدركين جسامة الجهد والمتطلبات ونيل العمل والغاية، فصاغوا حروف اللغة كلمات من نار ونور، وهذه آثارهم شاهدة تدل عليهم.

أيها الراحل الغالي: إنني أتصورك الآن امامي وأنت تؤبن قبل ثمانية أشهر شيخ الشباب رفيقنا عادل الملا أبا محمد عضو هيئة التحرير.. أتصورك أمامي وأقول لك: هذه هي الحياة ميدان كفاح وتعب، وساحة عمل وبناء وصراع، أنها الشعلة التي تعمر الكون والوجود، تبعث فينا الأمل والرغبة والحركة، لنكون اليد البانية المعطاء والقلب الدافق الخيّر والذهن المتوقد المبدع لكل عمل شريف لخير الشعب والوطن، في وجه الظلم والقهر، في وجه الحيتان وسارقي لقمة البشر وبسمة الأطفال وامن الأمهات.

نحن معاً على طريق تشرفنا بعبوره نحو عزة الوطن وسيادته، نحو سعادة الشعب الذي يرخص في سبيله كل بذل وتضحية، وستتواصل الخطوات والجهد والإرادة لتسطر ملحمة العمل والكفاح الوطني، ولن يتوقف العطاء.

أيها الحضور الكريم: لقد عرفت كمال منذ كان فتىً في صفوف اتحاد الشباب الديمقراطي في سورية، ومن ثم خلال العمل الحزبي والجماهيري قرابة ثلاثين عاماً، فعرفت فيه الإنسان الشهم الغيور، وعلى الرغم مما ناله من تجن وظلم، ظل مثال الرجل المبدئي، لم يفت في عضده،كل ما واجهه من ضيق ومصاعب، وهذا لعمري،ساهم في رفع رصيده في عيون وقلوب رفاقه واصدقائه، وكل من عمل معه.

فوداعاً يا أبا بحر، وستبقى ذكراك في ضمائر رفاقك وأصدقائك ناقوس وفاء، وحافز عمل ونشاط،

وانتم أيها الأخوة الأفاضل، تقبلوا منا صادق العزاء والمواساة، والعوض بسلامتكم جميعاً... 

 أسفي عليك..أيا كمال

وعند ضريح الرفيق كمال ألقى الفنان والشاعر سميح شقير قصيدة رثائية معبرة قال فيها:

أسفي عليك/لمرةٍ أولى تغادر/ دون تلويح يديك

أسفي عليك

ومبكراً تمضي لتصبح موجةً أو ذكريات

ومبكراً تمضي بلا ما تستحق من الحياة

وكان قلبك ملتقانا/ وعابقاً بالحب كانا ومترعاً بالأصدقاء

شقاء وجهك ظاهرٌ ونراك تهزأ بالشقاء

كيف لي أن أصف الحلم الذي يلمع في عينيك

بحراً أم شراعاً

أم غزالاً شارداً فيما سيكتبه اليراع

ونشهد الآن بأنك كنت حراً

شاحذاً همماً شجاعاً في الخطوب

سابقاً في الحب /شهماً لحنَ طيبٍ

كنشيدٍ سوف تخفقه القلوب

                                                             أسفي عليك/لمرة أولى تغادر/ دون تلويح يديك

 

                                                             أسفي عليك..أيا كمال....وكم سأشتاق ..إليك...