سوسن المبيض سوسن المبيض

أزمة «سكن الشباب».. ضاحية قدسيا نموذجاً مقلقاً

كان اقتراح، ومن ثم اعتماد مشروع «السكن الشبابي» الذي بُدئ بتنفيذه في الكثير من المحافظات السورية، واحداً من الحلول التي اتبعت لمعالجة أزمة السكن المستعصية في البلاد، فما مدى جدية وصوابية هذا الحل؟ وأين وصل؟ وما الذي قدمه في سياق معالجة أزمة السكن المتفاقمة؟

للإجابة على هذه الأسئلة، سنسلط الضوء على حال سكن الشباب في محافظة ريف دمشق بضاحية قدسيا بوصفه نموذجاً لوضع هذا السكن في عموم البلاد..

ضاحية قدسيا.. السمعة والواقع

ضاحية قدسيا، ضاحية سكنية منظمة عُرف عنها جمالية مبانيها وجودة تخطيط شوارعها وهدوئها النسبي، فما الذي راح يتوارى خلف هذا الجمال المفترض، وخلف هذه السمعة الطيبة بعد أن احتضنت هذه الضاحية مشروع سكن الشباب؟

إن نظرة عميقة للأمور تظهر التالي:

أمسك الفاسدون بزمام الأمر منذ أن تحول مشروع «السكن الشبابي» من مرسوم إلى مشروع قيد التنفيذ في الخمس سنوات الأولى للتسليم، ثم أصبحت ثماني، وكانت قابلة للزيادة لولا بعض الضغوط التي ألزمت المؤسسة العامة للإسكان بوجوب إنهاء المرحلة الأولى، فكان الإنهاء على الورق فقط.. أي تم تنظيم عقود وتخصصات المستفيدين من المرحلة الأولى, ثم بدأت رحلة (راجعونا بعد شهر).. وهذا استغرق ثمانية أشهر فقط!..

الأهم في هذا الموضوع، أن سعر البيت راح يرتفع، فما بدأ بمبلغ /560000/ ل.س، أصبح /700000/ ل.س، ثم /900000/ ليمسي الآن /مليون ومائة وستة وأربعين ألفاً/!!.

لقد تضرر المستلمون بالتأخير فما كان خمس سنوات أصبح ثماني، وزادت قيمة المنزل بلا مبرر بين من تسلموا مبكراً، والمتأخرين، فإذا كان سعر المنزل ومساحته وموقعه محدداً من بداية الاكتتاب فأي مبرر لرفع قيمته إلى أكثر من ضعفيه؟ فبناء على هذا السعر تم إضافة فوائد تقسيط وصلت إلى ما يقارب 500000 ل.س.

بالنتيجة تحول المشروع من نعمة إلى بلاء، فليس هناك قسط لهذه المنازل أقل من أربعة آلاف وخمسمائة ليرة سورية، أي متوسط ما يدفعه المستفيد لا يقل عن نسبة 40-50% من متوسط رواتب المستفيدين!. ألا يجدر بالمعنيين توضيح معنى هذا؟ ما معنى ذلك؟ هل هو تقصير أم تلاعب واحتيال؟ إنه في جميع الأحوال سرقة لأحلام الشباب وفرحتهم..

القاطنون.. مشكلات متعددة

بالنسبة لمن تخصص وسكن فثمة مشكلات من نوع آخر، فمعظم المواطنين القاطنين مازالوا يعانون من نواقص كثيرة في هذه المساكن؛ حيث أنّ سكان ضاحية قدسيا للسكن الشبابي (الجزيرة الرابعة، بناء رقم 108، مدخل 1-2-3) الذين استلموا المنازل المخصّصة لهم في شهر تشرين الثاني من العام 2009؛ تمّ توقيع العقود بينهم وبين مؤسسة الإسكان في شهر كانون الثاني من العام 2010، يعانون، منذ استلام المنازل، من عدم تمديد الكهرباء لهذه الأبنية، وقد تعهّدت المؤسسة بأن تعمل بأسرع وقت ممكن لإيصال الكهرباء، ومنذ ذلك التاريخ حتى اليوم، يسعى القاطنون في تلك الأبنية إلى مراجعة الجهات المسؤولة، علّها تبرّد قلوبهم بجواب شافٍ، وتعمل على تمديد الكهرباء لمنازلهم، أو على الأقلّ تحدّد موعداً للعمل على التحسينات والنواقص، إلا أنّ تعبهم وسعيهم ضاع هباءً، لتعود إليهم الخيبة بالوعود على أمل اليوم والغد، دون جدوى، والآن تمّ الانتهاء من بناء الجزيرة التاسعة من جمعيات السكن الشبابي، ويتم تسليمها للمواطنين، ولا تزال الجزيرة الرابعة في ضاحية قدسيا للسكن الشبابي طيّ النسيان، إضافة إلى سوء التجهيزات في هذه المنازل من الداخل؛ حيث أنّ مآخذ الكهرباء فيها غير مثبتة بشكل محكم، وما أسهل أن تخرج من مكانها لتظهر الأشرطة الداخلية للعيان، كما أنّ نوافذ الألمنيوم أيضاً لم تثبت بإحكام، فما أسرع أن تسقط على المواطن بمجرّد محاولته فتحها أو إغلاقها، فما وضع هذه الأبنية، وإلى متى ستبقى الجزيرة الرابعة دون كهرباء، رغم توسلات المواطنين. من جهة ثانية اشتكى قاطنو السكن الشبابي من عدم إنارة أعمدة الكهرباء الموجودة والجاهزة للإنارة، ما يجعل الساكن أو الزائر يشعر بالفزع ليلاً، وعدم إغلاق صناديق الكهرباء ما يهدد سلامة المواطنين ويسهل عملية الاستجرار غير المشروع للطاقة الكهربائية، والشكوى. 

المياه الغزيرة.. مقطوعة!

وثمة مشكلة أخرى، إذ تعتبر منطقة قدسيا بشكل إجمالي من الريف الثري بالينابيع، حيث يمر فيها نبع مياه الفيجة ونبع مروان ونبع العراد إضافة إلى وجود خطوط جر مياه رئيسة تابعة لمؤسسة المياه بدمشق تغذي بلدة قدسيا، إلا أن الضاحية تفتقر للمياه وتعاني الجفاف الشديد.. فلماذا؟ وما هو المبرر؟

أشار مدير فرع الديماس للمؤسسة العامة للإسكان ياسر السباعي إلى أن (مساحة المناطق الخضراء هي حوالي 33% من مجمل مساحة الضاحية، وهناك 14 حديقة مركزية منجزة وعشرات الألوف من المناطق الخضراء، وطبعاً نحن هنا نتحدث عن مساحات هائلة تحتاج لمياه ري إلا أن النقص الحاد في المياه والجفاف الذي تشهده البلاد سبب رئيس في عدم إنجاز ما تبقى من المناطق الخضراء، إذ يغذي  الضاحية 12 بئر ماء لكن حالياً يعتمد على بئرين أو ثلاث بسبب الجفاف).

إلا أن مشكلة الماء لا تقتصر على شح المياه وتركيب لوحاتها فقط، بل لها تبعات أخرى، لأن الإسكان نفذ صناديق العدادات، ولكنه لم يركب العدادات، مما يعني دفع رسوم عداد للتركيب وهي تصل إلى حوالي 6000 ليرة سورية، وهذا وجه آخر لمشكلة المياه وعدم تركيب عداداتها. 

الطرقات والشوارع.. ليست للسيارات!

وفيما يخص مشكلة تعبيد الطرقات جاء الرد: (الطرق داخل الضاحية ذات طبيعة جبلية وتضاريسها قاسية مما استدعى وجود منعطفات كبيرة تصل إلى ما يزيد عن 15% وبالنسبة للأخاديد الموجودة بطرقاتها أجلت المؤسسة العامة للإسكان تعبيدها بشكل كلي، وذلك حرصاً على عدم تخريب ما يسمى طبقة الاهتراء النهائية التي تكلف ملايين الليرات وهي التي تكسب الشوارع جمالياتها فالجمعيات التعاونية وأصحاب الأراضي لم ينهوا عمليات البناء في الضاحية ولن تباشر مؤسسة الإسكان بالتعبيد حتى تضمن انتهاء أعمال البناء بشكل كامل).

أما بالنسبة لمشكلات الصرف الصحي فهي كثيرة أيضاً، وعلى سبيل المثال لا الحصر، هناك بعض السكان في الجزيرة الأولى والثانية يعانون من حدوث حالات رشح للماء، وكان مبرر المدير العام للمؤسسة العامة للإسكان إياس الدايري أن سوء استثمار (السكن) يؤدي إلى ظهور مشاكل في الصرف الصحي، فبعض سكان الجزيرة الأولى والثانية يقومون بتركيب أدوات طاقة شمسية أو لواقط (دشات) على السطح القرميدي مما يؤدي إلى ثقوب في طبقة العزل وهذا ما يسمح بمرور الماء من هذه الثقوب وحدوث حالات رشح، إضافة إلى تراكم مواد جلي البلاط من قبل المستثمر عند جلي البلاط وهذا ما يمنع مرور الماء في المستقبل وبالتالي رشح الماء على المنزل الذي بأسفله.

ازدادت كمية رشح الماء على أحد سكان سكن الشباب في الضاحية بعد هطول المطر العام الماضي الذي يبشر عادة بموسم الخير، واقتنع الشاب حسبما رأى أن سبب ذلك هو عدم وجود مصرف صحي على «السطح»، فطلب من فرع الإسكان الإصلاح، وبالفعل تجاوب فرع الإسكان في منطقة ضاحية قدسيا الذي يحمل اسم «فرع الديماس»، وقام بإرسال متعهد قام بفتح مصرف على السطح، وقبل أن يرتاح المواطن من مشكلة «الرشح» لاحظ أن المصرف لا يعمل، وهطل المطر ثانية لتعود حليمة لعادتها القديمة حسب قول المثل الشعبي، ويعود المواطن من بعدها ويراجع فرع الديماس ليفاجأ بموظف الإسكان يقول له: (نحن استجبنا وقمنا بإرسال متعهد لفتح المصرف، والمصرف لم يعمل فما ذنبنا؟). ‏

لذلك أحس المواطن بالتعب من مراجعة فرع الديماس وقرر أن يصلح الأخطاء الموجودة لديه بأن يعيد المنزل إلى «العضم» وأن يكسيه من جديد. 

وماذا عن النظافة؟

‏يغلب على شوارع الضاحية قلة وجود حاويات للقمامة، والنتيجة تراكم للأوساخ في بعض الجزر التي استلم «الشباب» بيوتهم فيها مثل التاسعة..

تقول هند الحموي من سكان المنطقة: (أقطن ضاحية قدسيا منذ ثلاث سنوات ونظافة الشوارع من سيئ إلى أسوأ فنادراً ما أرى عمال نظافة يجولون الطرقات، وكثيراً ما أرى شباناً يغوصون في أعماق الحاويات ليخرجوا منها بصيد ثمين ويتركوا القمامة منثورة حول الحاوية، ويبقى المشهد على حاله، فالبعوض ورائحة القمامة والأكياس المزروعة في المناطق الخضراء عوضاً عن الزهور كلها تؤذي الجسد والروح والنفس، وهذا عيب في ضاحية سكنية جميلة وحديثة تزينها لافتات (لنجعل مدينتنا أجمل حافظوا على النظافة) كضاحية قدسيا. بناءً عليه قال البوشي: (يخدم شوارع الضاحية 30 عامل نظافة فقط وهو عدد قليل جداً إذا ما قورن بمساحة الضاحية الهائلة وعلى ذلك توجهنا بإرسال كتاب نطلب رفع عدد عمال النظافة ولم يصلنا الرد حتى الوقت الحالي أما الشبان الذين ينبشون الحاويات بحثاً عن الورق والكرتون فنحن نلاحقهم ونسعى للتخلص من هكذا آفات ونناشد الإخوة سكان الضاحية بالتعاون معنا للحفاظ على نظافة الضاحية لأنها ضاحيتهم أولاً وأخيراً). 

والمواصلات؟

إن الكثير من القاطنين تساءلوا ويتساءلون عن سبب عدم وجود مواصلات ضمن شوارع السكن الشبابي إلى الآن، وعلى الرغم من أن الجزيرة الأولى والثانية تعتبران الحدود الفاصلة مع ضاحية قدسيا إلا أن السرفيس لا يدخل إلى المنطقة كلها، بل يصل إلى نقطة معروفة بـ«الزهور» لدى الناس، ولا يكمل في هذا الشارع الذي يمتد حتى مساكن العاملين في مجلس الوزراء.

محمد رضوان أحد قاطني السكن الشبابي في الضاحية يقول: (كل يوم أستيقظ صباحاً قبل موعد عملي بساعتين لماذا؟ لأنه بكل بساطة لا أجد سرفيساً إلا بعد طول انتظار، فالسائقون متعاقدون بمعظمهم مع المدارس والمعاهد، والحقيقة أن الجهات المعنية تقدمت مشكورة بتعيين مراقبين للخط لمعالجة هذه المشكلة، ولكن (بالبقششة يشعر المراقب بالفرفشة والمواطنون لهم أقدامهم وعين الشمس تحرسهم وفي حال ركبت والله جبر بخاطرك فالطريق المعوج الطويل إلى الشام يجعلك ينسيك ألم الانتظار ليذيقك لوعة الركب في تلك السرافيس الأشبه بالهوهوب).

وقد أوضح رئيس مجلس ضاحية قدسيا الجديدة علي البوشي أن موضوع المواصلات في الضاحية وضع وفق دراسة اقتصادية أجرتها الشركة العامة للنقل وأضاف: (الضاحية ليست بتلك الكثافة السكانية حيث يبلغ عدد سكانها الإجمالي والتقريبي حوالي 12 ألف نسمة لا أكثر فماذا سيكون عدد قاطني سكن الشباب).

من جهة أخرى يغلب على الضاحية عدم وجود محال تجارية أو حتى أكشاك تلبي حاجات المواطنين الأساسية ما يدفعهم إلى شراء مؤونة الأسبوع التي تفسد قبل مضي نصفه، للانتهاء بعدم وجود هواتف أرضية لمنطقة السكن الشبابي بالكامل ما يرفع من فاتورة الجوال. 

إنه مجرد سكن شعبي!

وقبل رد الجهات الرسمية يخطر ببال أي شخص يريد السكن في مسكنه المسلّم له، التكلفة العالية التي سيدفعها مقابل ذلك، وهي: المبلغ الشهري المستحق كثمن للمسكن، وفاتورة الجوال التي ارتفعت بسبب عدم وجود الهاتف الأرضي، وكثرة استخدام تكاسي المكاتب لعدم دخول النقل العام إلى المنطقة، ودفع فاتورة مضاعفة كثمن للمواد الغذائية التي لا تبقى طويلاً، هذا كله يجعل المواطن يفكر بالبقاء مستأجراً في مناطق مخدمة لكي لا يدفع الفاتورة مرتين، أولها سداد أقساط مسكنه، وثانيها ضريبة السكن في المناطق (المنظمة) غير المخدمة حتى إشعار الجهات المسؤولة عن ذلك. ‏

مدير عام الإسكان اعتبر أن السكن الشبابي هو سكن شعبي وفق دفتر الشروط وهو ما يبرر ضعف نوعية ومواصفات الإكساء كالإضاءة بمصباح عادي بدل (لمبة نيون)، وذكر مثالاً حول الطينة على أنها (قدة وليست على الودع) والدهان طرش وليس زياتياً أو غيره من الأنواع، وهذه مواصفات السكن الشعبي.

وبيّن مدير عام الإسكان (أن الأخطاء التي ترد في المنازل ناتجة عن سوء تنفيذ المتعهد، في بعض الأحيان فيتم حسم قيمتها مالياً على المتعهد، وبالتالي على المواطن، كما اعتبر أن سوء الإكساء في بعض المساكن يعود إلى رخص اليد العاملة التي أتى بها المتعهد وهذا الخيار يلجأ إليه المتعهد من أجل التوفير في ثمن اليد العاملة وخصوصاً أن نظام العقود قائم على أرخص سعر). ‏

وعلى الرغم من تشييد عدد كبير من مباني هذا المشروع في كلّ المحافظات تقريباً، وتسليمها للمشتركين على أنّها جاهزة للسكن، إلا أن معظم المواطنين القاطنين فيها مازالوا يعانون من مشاكل ونواقص كثيرة، فإلى من يرفع المواطن شكواه، وإلى من يلجأ؟ أليس فرع الإسكان الخاص بالمنطقة مسؤولاً عن احتياج السكن لإصلاح ما، أو تأمين خدمات المواطن القاطن والمنصوص عليها في عقود الاستلام المزعومة لشقته، ثم ما هذه الردود غير المسؤولة؟ في هذه الحالة يجب على الشخص الذي يُريد السكن في مثل تلك المساكن التفكير ملياً بالتكلفة العالية التي سيدفعها مقابل ذلك من: (فاتورة الجوال التي ارتفعت بسبب عدم وجود الهاتف الأرضي، وكثرة استخدام تكاسي المكاتب لعدم دخول النقل العام إلى المنطقة، ودفع فاتورة مضاعفة كثمن للمواد الغذائية التي لا تبقى طويلاً...) وبناءً عليه هل من الأفضل للحالم ببيت يحميه ويأوي إليه أن يبقى مستأجراً في مناطق مخدمة على أن يدفع ضريبة سكنه في مناطق (منظمة) غير مخدمة؟!..

ما هذه المعادلة القاسية؟ هل يجب على المواطن أن يكتفي ببناء الأحلام وتسطيرها وتأجيلها حتى يموت قبل أن يحقق أياً منها؟!