قراءة في فيضانات رأس العين إلى متى يبقى عندنا كل شيء عبثياً و فوضوياً و مهمشاً؟
لقد وصلنا إلى الحد الذي بات يعامل الإنسان كأي دابة تدب على الأرض دون إعطاء إي اعتبارات للوجود الإنساني ولا للمعاملة الإنسانية التي تليق به والشعور بمعاناته ومأساته.
لقد تحولت أرواح الناس إلى سلع رخيصة تباع بأثمان زهيدة تسعيرتها واضحة معلنة ومكتوبة بعناوين عريضة على صفحات الجرائد والمجلات الرسمية: (100000) ليرة سورية فقط كتعويض وتكريم لهؤلاء الذين فقدوا أرواحهم وهم يساهمون في إنقاذ أرواح أهالي وأبناء بلدتهم!!
لم تكن دوافع الذين سقطوا شهداء مادية، بل كانت دوافع إنسانية بحتة حفزتهم لإنقاذ الغرقى والمنكوبين.. وفي المحصلة خسروا شبابهم وأصبحوا ضحايا إنسانيتهم (علاء صقر – علي النامس.. وغيرهم)، وهناك من توفي نتيجة هذه الفيضانات، إما في البيت، أو وقع في حفرة تجمعت فيها المياه فلم تحصه السلطات من ضحايا الفيضان، لأنه لم يكن منقِذاً!!
هذا بالنسبة لضحايا الفيضانات التي تشكلت من السيول الجارفة والقادمة من تركيا.
أما هؤلاء الذين التهمت مياه الفيضانات بيوتهم وممتلكاتهم التي جمعوها خلال سنين عديدة والتي قضت عليها السيول خلال ساعات قليلة، وتحولت إلى مواد فاسدة غير صالحة، حتى كعلف للمواشي (هذا بالنسبة للمواد الغذائية )، فلم يلتفت إليهم أحد.. أما المواد الأخرى التي تعرضت للتلف والتي كانت مخزنة في الأقبية والمخازن والمستودعات فلم يبق منها صالحا للاستعمال إلا القليل، مما لم تطله المياه. والمؤسف المحزن في هذه الكارثة التي تعرضت لها المحافظة وعلى وجه التحديد مدينة رأس العين، ظهور أصوات تمدح السلطات المحلية وتشكرها، فعلى ماذا؟
على ما لم تفعله.. وإن فعلته زادت الطين بلة وسكبت على النار المزيد من الوقود.
من ناحية أخرى فإن فرق الإغاثة والخدمات كانت غير موجودة، وكأن الأمر لا يعني أحداً منهم وإن وجدت لا تعمل إلا في وقت متأخر وبمقابل أجور عالية!! والأدلة كثيرة، والذين دفعوا لهم موجودون، وعلى الأغلب هم الذين اقتصرت عليهم الخدمات، لأن الفساد الإداري لدينا بكل بساطة متفش، وأصبحت هذه العادة حتى في أوقات النكبات نهجاً يتقنه كل الإداريين والعاملين معهم بكل دراية وعلى المكشوف في كل أنحاء المحافظة والدوائر الرسمية التابعة للدولة.
إن مدينة رأس العين كانت سابقا منطقة ينابيع غزيرة، وهذه الأنهار كانت تتغذى بشكل طبيعي من الجبال والهضاب المتواجدة في المناطق المرتفعة شمال المدينة (تركيا)، ولكن بعد الجفاف الذي أصاب المنطقة من جراء قيام الدولة التركية ببناء السدود لتحويل مجرى المياه التي تمر من أسفل المدينة، تحولت المسيلات الجوفية إلى كهوف خاوية من المياه حتى إذا ما تعرضت لأي ضغط من حمولة شاحنة مارة أو كسر في المجاري الصحية تتهدم مشكلة ثغرات واسعة في شوارع وحدائق المدينة وقرب مدارسها!!
إن هذه الانهدامات والتخفسات والكهوف التي تشكلت في المدينة جعلت منها مدينة أشباح، وكونت صورة ذهنية عند السكان بأنها أضحت عرضة للزوال بأكملها، وكل ما قام به الخبراء وجماعة الاستشعار عن بعد والجيولوجيون تم إخفاؤه في أوراق وأضابير، ودفنت هذه الدراسات في دواوين البلدية بحجة عدم خلق البلبلة والذعر بين الناس!!
متى كان إبلاغ الناس بما يهددهم من مخاطر يشكل خوفا وذعراً؟