بطاقة ذكية.. ماذا بشأن السياسات؟

بطاقة ذكية.. ماذا بشأن السياسات؟

في الجلسة المنعقدة بتاريخ 23/8/2016 قرر مجلس الوزراء تشكيل لجنة برئاسة وزير الاتصالات والتقانة لتحديد خطوات إصدار بطاقة الكترونية خاصة بذوي الدخل المحدود لتوزيع المواد التموينية الأساسية عليها.

يأتي ذلك استكمالاً لمشروع البطاقة الذكية لتوزيع المحروقات القائم في وزارة النفط والثروة المعدنية، وذلك حسب ما تم الإعلان عنه من قبل الحكومة بحينه.

تساؤل مشروع

التساؤل المشروع المقابل لهذا القرار الحكومي آنذاك كان: هل قررت الحكومة أن تتراجع عن توجهاتها بمجال رفع الدعم عن المستحقين تحت شعارات «قوننة الدعم» و»تصحيح الأسعار»؟، وتعديل سياساتها الاقتصادية لتصب بمصلحة هؤلاء؟.

أم أنه عبارة عن فقاعة إعلامية لا أكثر ولا أقل!

وزارة التجارة الداخلية

مؤخراً أطلق وزير التجارة الداخلية عدة وعود، منها تحويل البطاقة التموينية إلى بطاقة إلكترونية وتحويل الدعم إلى مالي، مشيراً إلى أن هذه البطاقة ستكون عبارة عن حساب لدى المصرف التجاري السوري لكل عائلة.

البطاقة التي تحدث عنها الوزير، وتحويل الدعم إلى مالي، كان بهدف «ضمان وصول الدعم إلى مستحقيه» على حد تعبيره وتعبير الحكومة ككل، أي أن ذلك اعتراف غير مباشر بأن الدعم لم يصل لمستحقيه بشكل سوي طيلة السنوات الماضية، وهنا بدأت تساؤلات جديدة تدور حول سبب تأخر الحكومة في تطبيق هذا التوجه الذي كان مطروحاً منذ سنوات، دون أن يؤخذ على محمل الجد، مقابل اتباع سياسة وصفت سابقاً «بعقلنة الدعم» التي اتجهت إلى إنهاء الدعم شيئاً فشيئاً.

والسؤال الأهم هل تصريح الوزير عن البطاقة الإلكترونية هو أحد أشكال التنفيذ لما تم إقراره عبر الحكومة منذ الشهر الثامن أعلاه، أم أنه يتحدث عن شيء آخر؟

فقرار الحكومة كان يتحدث عن بطاقة إلكترونية خاصة بذوي الدخل المحدود لتوزيع المواد التموينية الأساسية عليها، فيما تحدث الوزير عن أن هذه البطاقة ستكون عبارة عن حساب «نقدي» لدى المصرف التجاري السوري لكل عائلة.

لا معلومات تذكر

نضال مقصود، مدير الأسعار في وزارة التجارة الداخلية، تحدث عن القضية لكن دون تقديم أية معلومات إضافية عما تم التصريح به، مكتفياً بالقول «يجب ترك القضية للجنة التي تعمل على الدراسة وعدم استباق الأمور».

بدا مدير الأسعار وكأنه غير محيط بتفاصيل التوجه الحكومي الذي تعمل عليه وزارة التجارة الداخلية مع الأطراف المعنية، قائلاً في حديث إذاعي: «ليس لدي اطلاع حول الموضوع، وما أعلمه هو وجود دراسة على المستوى الحكومي»!.

مدير مكلف بالتصريح

وزارة التجارة الداخلية كلفت مدير الأسعار للحديث عن التوجه الحكومي نحو تحويل الدعم إلى مالي ضمن برنامج إذاعي، إلا أن حديثه تمحور فقط حول جملة واحدة «التوجه الجديد يهدف لإيصال الدعم إلى أصحاب الدخل المحدود»، وهنا يبدو سؤال: «هل الدعم حالياً لا يصل إلى هذه الشريحة؟» بديهياً بعد الجملة السابقة، والجواب ربما واضح للأغلبية، إلا أن «مقصود» أجاب: بأن «الدعم يصل حالياً لمستحقيه، لكن الحكومة تريد التشديد على ذلك بتوجهها الجديد»، على حد تعبيره.

وأعاد مدير الأسعار استخدام عبارة ذاتها «إيصال الدعم إلى أصحاب الدخل المحدود في التوجه الجديد» بالإجابة علن سؤال: «وهل لاحظتم خللاً في النظام الحالي؟»، ولم تكن هناك أية إجابات حول سبب عدم تبني هذا التوجه سابقاً، وما هو سبب تبنيه والإعلان عنه اليوم عن طريق وزير التجارة؟، قائلاً «أتمنى أن يتم سؤالي عما يتم حالياً»، لكن رغم طرح الأسئلة مراراً، لم يتم الكشف عن أي جديد أو تفصيل مهم.

حتى الاستفسار عما سيشمله الدعم المالي «خدمات أم سلع أم خدمات وسلع؟»، لم يلقَ أية إجابة واضحة، رامياً الكرة إلى ملعب مدير العمليات والجاهزية، فهو على حد تعبيره على علم بهذا التفصيل!.

أين مخصصات السكر والرز؟

منذ أكثر من عامين، لم يتم توزيع السكر والرز المدعومين على مستحقيهم، وهنا كان لابد من الاستفسار أيضاً عن مصير المخصصات المالية ضمن الميزانية لهاتين المادتين، وأين ذهبت، ولمّ لم توزع بدلات نقدية على المواطنين خلال العامين الماضيين؟، إلا أن مدير الأسعار أيضاً لم يملك إجابة واضحة، وقال: «مازالت المخصصات موجودة في خزينة الدولة، وحالياً يتم إيصال الدعم لمستحقيه»!.

حديث مدير الأسعار، وهو المدير المختص بهذا الشأن، يشير إلى أن جزءاً هاماً من الكادر الوزاري لا يلم بتفاصيل التوجه نحو البدل النقدي ككل، ولا بالآليات التنفيذية لهذا التوجه، ولا متى سيتم ذلك، ولا كيف سيتم تطبيقه!، فكيف بالإجابة عن عدم الجدية بالتطبيق، والاستمرار بالوعود تحت مسميات مختلفة طيلة السنوات الثلاث الماضية بأدنى الحدود؟!.

فقاعات إعلامية

في الشكل العام، كانت تصريحات وزارة التجارة وتصرفاتها وتصريحاتها ووعودها محطاً للجدل تحت قبة البرلمان أيضاً، حيث وصف أحد أعضاء مجلس الشعب السوري، إجراءات الوزارة بـ «الفقاعات الإعلامية»، وتحدث عن سبب هذا الوصف بقوله: «كانت هناك دعوة لوزير التجارة الداخلية إلى مجلس الشعب، لعرض خطة الوزارة وما قامت به خلال فترة الثلاثة أشهر الماضية، لوجود عدة ملاحظات، مثل بعض الزيارات الميدانية التي كانت يجب أن تكون غير مرتبطة بفقاعات إعلامية».

وأردف قائلاً: «الوزير قال في مجلس الشعب إن دعم الخبز يبلغ 400 مليار ليرة سورية سنوياً، وهذا الرقم غير صحيح، فدعم الخبز مع السكر والرز هو 170 مليار ضمن الموازنة العامة لـ 2016».

أين هي الحقيقة

إذا كان أحد المدراء المركزيين في الوزارة المعنية «التجارة الداخلية وحماية المستهلك» لا يدري ولا يملك أية إجابات كافية عن التوجه الحكومي والوزاري بشأن الدعم الموعود، نقدي أم عيني، وإذا كان الوزير المعني محط انتقاد من قبل مجلس الشعب على مستوى بيانات وأرقام رسمية، فمن أين للمواطن أن يتبين حقيقة ما يتم الوعد به من قبل الحكومة ووزاراتها؟.

مشروع وطني

مشروع البطاقة الذكية لإيصال الدعم «نقدي أم عيني» لأصحاب الدخل المحدود والفقراء حسب ما هو معلن، نظرياً، ما من شك بأنه مشروع اقتصادي وطني بحال قيد له النجاح عبر التطبيق، فهو بغض النظر عما يحمل بطياته من دلالات تطورية على مستوى حسن استخدام التقانات الإلكترونية الذكية، فهو يحد بشكل كبير من الهدر والفساد والمحسوبيات، بالإضافة إلى الاستثمار الأمثل لعامل الزمن.

تعديل سياسات

بالمقابل وبظل استمرار الحكومة بالمضي بسياساتها الاقتصادية الاجتماعية، على نهج سابقاتها، فإن مثل هذه البطاقات، ومهما تمتعت به من ذكاء، لن تكون قادرة على مجاراة هذه السياسات المفقرة للعباد والبلاد.

بمعنى آخر إن لم يتم تعديل هذه السياسات بجوهرها، لتصبح غايتها الحقيقية مصلحة المواطنين عموماً، والفقراء وأصحاب الدخل المحدود خصوصاً، فإن كل ما يشاع وما يقال، بشكل رسمي أو غير رسمي، لن يعدو كونه «حكي بحكي» .. والمواطن سيبقى قيد الانتظار.