أبناء القنيطرة المحررة.. محرومون حتى من أملاكهم!
مدينة القنيطرة هي وحدها ما بقي لنا من الجولان المحتل، وهي كحبيبها الأسير مازالت في قلوب وعقول أهلها المهجرين منها منذ أربعين عاماً، رغم أنها عادت إلى أحضان سورية منذ عام 1973، إلا أنها طوال هذه المدة بقيت مدينة دون حياة، وبقي أهلها مبعثرين بين المحافظات السورية دون أن يسمح لهم بالعودة إليها، واستعادة منازلهم وأراضيهم، بحجة أنها تقع تحت مرمى نيران الكيان الصهيوني، إضافة إلى رغبة الجهات الرسمية بجعلها متحفاً طبيعياً شاهداً على همجية وعدوانية الكيان الصهيوني أمام المجتمع الدولي، والأمم المتحدة التي لا تعير قضايانا العربية أي اهتمام، ولم تتخذ منذ تأسيسها أي قرار منصف لقضايا العرب!.
ورغم علمنا بأنّ الأمم المتحدة أداة في يد الدول الاستعمارية الليبرالية للسيطرة على الشعوب المقهورة، وانحيازها الواضح للكيان الصهيوني، نتقيد بقراراتها ونلجأ إليها لتستعيد لنا حقوقنا التي كانت هي نفسها إحدى الجهات التي ساهمت في اغتصابها، فما الفائدة من جعل مدينة القنيطرة متحفاً طبيعياً إذا كان المجتمع الدولي بلا عيون ليرى أو آذان ليسمع صوت الحق.
إن مدينة القنيطرة، وإن كانت شاهدةً على الهمجية الصهيونية، إلا أنها لا تزال شاهدةً أيضا على تشريد عشرات الآلاف من أهلها بين المحافظات والمدن السورية، رغم أن منازلهم وأراضيهم محررة وموجودة حتى الآن، ولكن لا يسمح لهم بالعودة إليها، خوفا عليهم من نيران العدو الصهيوني..! علماً بأنها من أكثر المناطق هدوءاً واستقراراً حتى الآن رغم الحراك الشعبي المتصاعد الذي تشهده سورية هذه الأيام، فهذه المدينة لم تشتعل فيها النار منذ تحريرها، ولو لإعداد «أبريق شاي»...؟!
ومع أن الدولة اتخذت بعض الإجراءات بهدف إعادة عدد من أهالي محافظة القنيطرة المقيمين خارجها إليها، من خلال نقل مقرات بعض الدوائر الرسمية المسؤولة عن تسيير أمور أهلها إلى محافظة القنيطرة، إلا أن أهلها المعروفين باسم (نازحين) لم يعودوا إلى أراضيهم ومنازلهم الحقيقية الموجودة حتى الآن، بل عليهم شراء منازل جديدة، في حال عدم وجود وثائق تثبت ملكيتهم لأي عقار فيها، علماً أن هناك عائلات كثيرة فقدت وثائقها نتيجة الخوف والنزوح المفاجئ تحت نيران الاحتلال الصهيوني الموجه لمدينة القنيطرة حين اجتياحها، و في حال وجدت هذه الوثائق فإن الدولة قد تمنح حاملها منزلاً واحداً، رغم أن أملاكه الأصلية لا تزال موجودة.
وقد أكدت الدولة في فترة سابقة نيتها بناء وحدات سكنية في محافظة القنيطرة لإعادة قسم كبير من أهالي القنيطرة المقيمين خارجها، إلا أن هذا القرار سيحرم عائلات كثيرة من أملاكها التي تفوق مجرد منزل واحد، فكما هو معروف فإن معظم أهالي القنيطرة كانوا قبل النزوح ميسوري الحال، بحكم خصوبة أراضيهم وعملهم بالزراعة حينها، فكانت لكل عائلة قطعة أرض مجاورة للمنزل، في حال كانت الأسرة فقيرة، وهناك عائلات تملك مساحات واسعة من الأراضي وعدداً من العقارات الموجودة حتى الآن، والتي استملك بعضها من عدد من متطفلين منذ عقود طويلة دون وجه حق رغم وجود المالك الأصلي على قيد الحياة، والذي منع مراراً وتكراراً من العودة إلى بيته وأرضه للحجج المذكورة، تماماً كما جرى مع إحدى العائلات التي منعت من استرداد أرضها في مدينة القنيطرة لتفاجأ في ما بعد بأن أحدهم اغتصب حقها وجعل من أحد عقاراتها «مقصفاً تجارياً» منذ فترة طويلة بموافقة المحافظة التي منحته حق استثمار ما ليس لها أو له! وهو موجود حتى الآن في مدينة القنيطرة يقصده كل زوار المدينة، فكيف سمحت الدولة لهذا المتطفل باستثماره من جهة لا يحقّ لها التصرف به؟ ولم يحصل أصحاب العقار طبعاً على أي مبلغ من عائدات الاستثمار التي عادت جميعها للمحافظة طيلة هذه المدة، علماً أن العقار المغتصب موجود ضمن المنطقة التي تعتبر تحت نيران العدو الصهيوني، وقد منعت الدولة صاحبه الأصلي من الرجوع إليه بهذه الحجة!
فهل من يغتصب حقوق الغير معصوم عن نيران العدو..؟
ناهيك عن أن قرار الحكومة إعادة أهالي الجولان المحتل إلى مدينة القنيطرة، يتطلب بناء عدد كبير من الوحدات السكنية، والتي تحتاج بدورها إلى مساحات واسعة من الأراضي، وبهذا ستقوم الدولة باستملاك مساحات واسعة من أراضي القنيطرة، لا تمتلكها أصلاً، وبالتالي ستحرم أصحابها الحقيقيين منها وهم الذين عاشوا طوال أربعة عقود محرومين منها بالأصل، ولكن هذه المرة سيكون أمل عودتهم إليها معدوماً!.
فلماذا تتكبد الدولة عناء ونفقات بناء مساكن جديدة إذا ما كانت منازل وأراضي الأهالي موجودة أصلاً؟ ولماذا تنتهج هذا المنهج بدل أن تعيد لكل ذي حق حقه وتوفر الدولة على نفسها الكثير من العناء والنفقات بترك الأهالي يرممون أو يعيدون بناء بيوتهم بأنفسهم، وبذلك تعود كل عائلة إلى مسقط رأسها؟.
صحيح أن معظم الجيل الأول ممن هجروا قبل أربعين عاماً قد توفي، إلا أن الجيل الثاني ممن ولد في مدينة القنيطرة وورث الحقوق عن أبائه، ما يزال على قيد الحياة، ويرغب بالعودة إلى منزله الذي ولد فيه بكل تأكيد.
ولنفترض أن أهالي القنيطرة قرروا قبول الحل المتخذ من الدولة، فإنه لن يشمل النساء اللواتي ورثن عن أبائهن عقارات بموجب سندات تمليك، فالقرار ينص على بيع كل رب أسرة منزلاً (ولن نقول تعويضاً، لأن من سيشمله القرار عليه دفع جزء من ثمن المنزل الذي تعتبره الدولة بمثابة تعويض كما يقول البعض)، فبهذا القرار ستحرم بعض عائلات مدينة القنيطرة من قسم كبير من حقوقها، رغم امتلاك هذه العائلات لأوراق تثبت ملكيتها لبيوت وأراض في القنيطرة.
فهل على من حرم من بيته وأرضه طوال (40) عاماً أن يدفع ثمن منزل في محافظته من جديد، رغم أن منزله الأصلي موجود حتى الآن؟ وهل كتب عليه أن يظل واقفاً على أطلال حقه المسلوب طوال عمره الباقي دون أن يتمكن من استعادته هو أمام عينه؟ ألا يكفيه أنه عاش مشرداً تحت اسم «نازح» وتحمل قسوة الغربة في وطنه طوال أربعة عقود؟.
وهل قدر أهالي مدينة القنيطرة أن يعودوا دائماً إلى مرحلة الصفر ليبدؤوا من جديد، أم أن قدرهم إلا يتخطوا مرحلة الصفر أبداً؟!.