سوريون يفطرون ويتسحرون بشق الأنفس

على مدى أكثر من عام ونحن نتناول جملة القضايا والصعوبات التي يواجهها المواطنون عند قدوم شهر رمضان . هذا الشهر الذي جعلته سياسات الفريق الاقتصادي شهر معاناة وألم بالنسبة للمواطن السوري، نتيجة الارتفاع الجنوني للأسعار، واحتكار بعض التجار للسلع الغذائية الرئيسية، والغياب شبة التام للرقابة التموينية.

وإذا كان المواطن فيما مضى يبدأ بالاستعداد والتحضير لاستقبال هذا الشهر قبل حلوله بفترة طويلة، حيث كانت الشوارع والأزقة والأسواق تعج بالناس قبل قدوم الشهر بأيام عديدة، فإن هذه الطقوس قد أصبحت من الماضي، وهناك أطعمة ومأكولات لم تعد موجودة نهائياً على موائد الإفطار والسحور بالنسبة للغالبية الساحقة من السوريين.

«قاسيون» توجهت إلى بعض المواطنين بالسؤال التالي: على ماذا يفطر المواطن السوري، وماذا يتسحر؟ وما هي المواد الغذائية الأساسية التي يسد بها رمقه في هذا الشهر؟ فكانت الأجوبة التالية:

• أبو سليمان الموظف لدى إحدى الجهات الرسمية يقول: «إن الوضع الاجتماعي والاقتصادي الصعب الذي أعيشه حتَّم علي تنفيذ سياسة «التوفير» التي لا بديل عنها في هذه الأيام، ومنذ اليوم الأول من رمضان اتفقت مع أم العيال بأن المعدل الأسبوعي لتناول اللحمة يجب أن لا يتعدى أوقية واحدة، بسبب الغلاء الفاحش لهذه المادة، رغم أن سورية لا تنقصها الثروة الحيوانية، وهي تصدر اللحوم إلى الخارج»

ويضيف أبو سليمان: «بالنسبة للسحور فنحن نأكل «الحواضر»، وهذه أفضل طريقة لإراحة الجيبة!!»

• أما ناصر فيقول: «لا يمكن مقارنة هذا الشهر بباقي شهور السنة، فليس من المعقول أن تصوم عن الأكل لمدة تزيد عن خمس عشرة ساعة لتأكل بعدها أكلاً عادياً أو «نواشف»، وفي هذه الحالة نحن بحاجة لثلاثة رواتب فوق راتبنا، أي يجب علينا أن نراكم ديوناً أخرى فوق الديون المتراكمة علينا طيلة أيام السنة» ويؤكد ناصر أن تناول أربعة أو خمسة أنواع من المأكولات على مائدة الإفطار أصبح من ذكريات الماضي، لأن ذلك يعني «خربان البيت»، فالإفطار يعتمد على نوع واحد مع الشوربة فقط.

 دور حكومي هش

أثناء الزيارة التي قام بها وزير الاقتصاد والتجارة عامر لطفي لبعض الأسواق الدمشقية وصالات مؤسسات الخزن والتسويق والاستهلاكية وسندس، صرح للصحفيين: «إن الحكومة ممثلة بوزارة الاقتصاد والتجارة ومؤسساتها الثلاث الرئيسية (الاستهلاكية، الخزن والتسويق، سندس)، تسعى للتدخل الإيجابي في السوق وهو الشق الأول من عملها، وذلك بتقديم السلع الغذائية ذات المطلب اليومي، أما الشق الثاني فيتجلى في الرقابة التموينية على الأسواق، والتي تتم وفق الإمكانات المتاحة».

وتفاخر الوزير بعدد الضبوط التموينية المسجلة التي اعتبرها خير دليل على وجود الرقابة التموينية، وعملها المتواصل ليلاً ونهاراً.

يعلق المواطن عبد الله، وهو عضو في الاتحاد العام لنقابات العمال على هذا التصريح بالقول: «إن كل هذا كلام دون فعل، ومفعوله لم يدم سوى للحظات، فما إن انتهت الجولة حتى قام التجار في الأسواق بتبديل الأسعار التي وضعوها أثناء زيارة الوزير».. ويشير عبد الله إلى ظاهرة خطيرة في الأسواق وخاصة سوق الهال، حيث يتجمع عدد من النساء والأطفال لالتقاط بقايا الخضار والفواكه الملقاة على الأرض، لعدم تمكنهم من شرائها. ويؤكد عبد الله أن ما رآه بعينيه يجعله يطالب الجهات الرسمية بإيجاد حل لظواهر كهذه لم يعتد عليها السوريون سابقاً، وخاصة في الشهر الفضيل، فأعداد المتسولين والمحتاجين ازدادت بشكل ملحوظ في الآونة الأخيرة، وهذا إن دل على شيء، فهو يدل على ضعف السياسات الحكومية في تأمين الاحتياجات الضرورية لمواطنيها، وخاصة السلع الأكثر استخداماً.

أهي مسؤولية الحكومة أم الجمعيات الخيرية؟

يبدو أن الحكومة نسيت أو تناست دورها كلياً، ووضعت كامل المسؤولية على كاهل الجمعيات الخيرية، ومهما كان دور الجمعيات الخيرية ضرورياً وهاماً في تقديم المعونة للأسر المحتاجة، فإن هذا لا يعني بالتأكيد أن بإمكانها لعب الدور المنوط بالحكومة، خاصة بعد الارتفاع الجنوني لأسعار المواد الغذائية والاستهلاكية التي وسعت أوتوماتيكياً من أعداد المحتاجين، وزادت بالتالي من الضغوط الحياتية على الأسر الفقيرة وبشكل متصاعد.

تقول المواطنة أم زهير: «مازلنا نفطر ونتسحر على الطعام الذي تقدمه لنا مشكورة إحدى الجمعيات الخيرية. ولكن إلى متى سنظل على هذه الحالة، ننتظر المساعدات من هذه الجمعيات؟ وماذا سيكون حالنا إذا  أغلقت هذه الجمعية أبوابها لا سمح الله؟»

عضو في إحدى الجمعيات الخيرية أكد للصحافة: «مهما كان الدور الذي نلعبه مهماً وكبيراً، فإن العمل الخيري لا يمكن أن ينشط ويأخذ دوره الفعال القوي ما لم يتوفر له الدعم اللازم والبيئة المناسبة لعمله من القطاعين الحكومي والخاص معاً، انطلاقاً من مبدأ التشاركية الذي اعتمدته الحكومة في مواجهة التحديات الاجتماعية والاقتصادية».

إن هذه التصريح يدعونا للتساؤل مجدداً: ماذا قدمت الحكومة أصلاً لكل هؤلاء المحتاجين باستثناء بادرة خجولة من وزارة الشؤون الاجتماعية والعمل تقيمها سنوياً في إحدى المحافظات باسم «رمضان الكل» ويعود ريعها لإحدى الجمعيات الخيرية؟!!

إن خجل المواطن من الحديث عن  طعام فطوره يعد بحد ذاته مشكلة قد تولد نتائج خطيرة، وقد صدمنا كثيراً بهذا الموقف لدى قيامنا بهذا الاستطلاع،  عندما تهرب الكثيرون من الإجابة عن السؤال خجلاً من أوضاعهم الاجتماعية، فهل يأتي اليوم الذي يعود فيه المواطن إلى التفاخر بمائدة إفطاره؟ أم سنشهد في السنوات القادمة أياماً أصعب من التي نعيشها؟