لماذا هذا الظلم يا وزارة الزراعة؟

كلنا يعلم الحالة الاقتصادية المتردية التي تمر بها الأغلبية الساحقة من المجتمع السوري والتي تهدد الأمن الاجتماعي وبالتالي الأمن الوطني، بسبب تلك السياسيات التي يقودها جهابذة الاقتصاد والسياسة في حكومتنا «الألمعية» ومؤسساتها المتفرعة منها. وتحظى المحافظات الشرقية وخصوصاً الجزيرة التي كانت تسمى سابقاً «سلة الاقتصاد الوطني، وعموده الفقري» بحصة الأسد من هذا التردي، مشفوعةً بحالة الجفاف والتصحر التي هجمت بقوة على هذه البقعة الهامة من هذا الوطن العزيز. ومما يزيد الطين بلة - كما يقولون - تلك الممارسات اللامسؤولة التي تقوم بها بعض الجهات، بحجج مختلفة، أو ربما بكلام حق يراد به باطل، والتي تحدث في الوقت الذي تدعي فيه الحكومة ـ ونحن من مؤيديها في هذا المجال ـ تقديم المساعدات من السلات الغذائية لمنكوبي الجفاف، أو إعمار المناطق الشرقية وتنميتها.

وإليكم مثالاً صارخاً لهذا الواقع، وهو قصة قرية «عين التينة» التابعة لناحية تل تمر.

في عام 1987، عند إنشاء القناة الرئيسية لمشروع ري الخابور، تم إنذار قسم كبير من سكان هذه القرية بهدم منازلهم التي تمر القناة بها، والواقعة على أطراف أملاكهم الخاصة. وبالفعل، فقد تم هدم منازلهم وإنشاء القناة التي جاء محورها على حدود أملاك الدولة التي تتكون مما يسمى محلياً (حمة)، وهي أطراف جبل صخري بازلتي قليل الارتفاع. وحدود أملاكهم الخاصة، لقاء تعويض نقدي لكل منهم قبضوه من المشروع حينها. وعندما أرادوا السكن في أملاكهم الخاصة أبلغهم مسؤولو المشروع أن أراضيهم الخاصة خاضعة للاستصلاح، ولا يحق لهم تشييد مساكنهم عليها. فلم يبق أمامهم سوى الطرف الآخر من القناة الواقع في أملاك الدولة ضمن الشريط الصخري الذي لا يتجاوز عمقه بضع مئات من الأمتار بين منطقتين زراعيتين تزرعان بالحبوب، فقاموا بتنظيف بقع من هذا السفح الصخري، كل حسب قدراته، وحولوها إلى مساكن وبساتين أشجار مثمرة بعد أن كانت منطقة صخرية ليس إلا، وذلك منذ ما يتجاوز العشرين عاماً. ولكن ما حدث في الآونة الأخيرة، وعلى أثر شكوى كيدية من أحد المواطنين الذي ادعى كذباً أن هؤلاء الناس تجاوزوا على مراعي أغنام منذ شهر فقط، حضرت لجنة من أملاك الدولة، وقامت بالكشف على المساكن والبساتين والمزروعات الأخرى في هذه القرية، ورفعت توصياتها إلى وزارة الزراعة التي اتخذت بدورها قراراً يغرم أرباب الأسر المذكورة غرامات مالية تعادل ضعف أجر المثل عن الدونم الواحد بأعلى سقفه، حيث يغرم كل منهم /600/ ل.س عن دونم الأشجار، و/110/ ل.س عن دونم الزراعة البعلية، و/2250/ ل.س عن دونم السكن. واعتبروا أن /100/م2 سكن تعادل دونماً.. كل ذلك عن سنة واحدة، علماً أن بدل المثل عن الشرائح السابقة وفق القانون هو نصف المذكور، وقد حققوا عليهم بدل المثل منذ /21/ عاماً سابقاً.

كما أوصى قرار الوزير الجهات الأمنية بالمحافظة العمل على تنفيذ هذا القرار. أي أن هؤلاء الفلاحين أصبحوا تحت وصاية الجهات الأمنية المتعددة، ولا يخفى على أحد حالات الابتزاز التي سوف تحدث.

كما أقر الوزير في البند الثاني نزع يد الفلاحين عن منطقة التجاوز، وهذا يعني أن بيوتاً شيدت منذ أكثر من عشرين عاماً، وبساتين أنشئت منذ ذك التاريخ سوف تهدم وتجرف. والسؤال المطروح: ما هو مصير ما يقارب /24/ أسرة فلاحية فقيرة، وما مصير ما يقدر بأكثر من عشرة آلاف شجرة مثمرة مزروعة على مساحة ما يقارب /98/ دونماً حسب تقدير اللجنة المكلفة؟ علماً أن المساكن المذكورة تشكل جزءاً من القرية، وأن الجزء الآخر مشاد منذ عشرات السنين قبل إنشاء قناة الري.

هل من المفروض أن تأكل الدولة أبناءها بحجة تجاوزهم على أملاكها؟

ألا يوجد قانون رحيم يحفظ حق الدولة وحق أبناء هذه الدولة، وتنظيم العلاقة بين من تم ترحيله قسراً للمصلحة العامة، وبين المصلحة العامة نفسها؟

ألا يمكن إقرار بدل مثل على المتجاوزين يراعي فقرهم وأحوالهم المعاشية وحق الدولة في صيانة أموالها؟

المطلوب هو ضمان حق الدولة بتحقيق أجور مثل عادل بسقفها الأدنى، وتحصيلها من هذه الأسر باعتبارها مرحّلة لأسباب تتعلق بالمصلحة العامة، وذلك بتقسيطها عليهم إذا لم يكن من الممكن إعفاؤهم منها لأن حالة الجفاف التي تمر بها المنطقة جعلت من المتعذر دفع مبالغ باهظة كما هو مقرر في قرار الوزير. ويقال: «الرحمة قبل العدل».. كما أن قرار رفع اليد هو قرار متهور سوف يؤدي في حال تنفيذه إلى تشريد /24/ أسرة فقيرة، والقضاء على آلاف الأشجار المثمرة التي تشكل ثروة وطنية وجمالية في منطقة يغزوها الفقر والتصحر.

فاتقي الله يا وزارة الزراعة في فقرائنا وأبناء شعبنا..