مجلس الوزراء التشريعي!
لو وضعنا جانباً تلك الآراء المختلفة حول الدستور وصلاحيته والحاجة إلى تغييره للحظات، ونظرنا ملياً إلى دستور ما يزال قائماً وحاكماً للبلاد حتى ساعته، فما علينا وقتها إلا العمل به والمطالبة بتطبيقه واحترامه!
وحين نكون اليوم في ظل تطوير وتحديث وإنتاج قانوني كثيف، قد يقلب حالة البلاد إلى أشكال أخرى أكثر ديمقراطية، بشرط أن تكون تلك القوانين كما يجب عليها أن تكون، وهذه الفرضية لا تكون إلا من خلال تدخل الشعب بأطيافه كافة، وأفكاره كافة، وأحزابه كافة، من معارضين قبل الموالين، ومن مفكرين ومنظرين وقانونيين وحقوقيين ومختصين..
وهذا التدخل المفترض نظمه الدستور النظري من خلال مجلس الشعب الذي يمثل كل تلك الشرائح، ويفترض أن يساعد كل نائب في المجلس مجموعة من المستشارين المختصين الذين يدرسون مشاريع القوانين، ثم يحاورون النائب في الجيد منها وغيره، ليقوم هو بدوره في المجلس بمساعي بقية النواب، بغية إقرار القوانين والتشريعات المناسبة ورد غيرها!
لكن مجلس الشعب السابق الهزيل انتهت ولايته، وكنا والحال تلك سننتخب تالياً من قد يقوم بعمله وواجبه بالشكل السليم، لكن الانتخابات الجديدة لم تـُقم كما ينص الدستور في مادته 58:
-1 تجري الانتخابات خلال الأيام التسعين التي تلي تاريخ انتهاء مدة مجلس الشعب).
مما اقتضى تطبيق الفقرة الثانية من المادة السابقة التي تنص على أن:
-2 يعود المجلس إلى الانعقاد حكماً إذا لم ينتخب غيره ويجتمع بعد انقضاء التسعين يوماً ويبقى قائماً حتى يتم انتخاب مجلس جديد).
وبهذا فإن المجلس السابق الذي قضى على الشعب بمجموعة قوانين أقرها، بقصد أو بغير قصد، سيعود ليمارس مهامه السالفة من التصويت ورفع الأيدي بالموافقة بداعٍ أو بغيره!
وليمارس اختصاصاته التي منحه إياه الدستور- حيث لم يمارسها سابقاً- في مادته 71:
(يتولى مجلس الشعب الاختصاصات التالية:
- إقرار القوانين
- إقرار العفو العام
-حجب الثقة عن الوزارة أو عن أحد الوزراء).
في هذه الأوقات يقوم مجلس الوزراء بدوره كاملاً وزيادة، والذي استقاه أيضاً من الدستور ذاته بحسب المادة 127:
(يمارس مجلس الوزراء الاختصاصات التالية:
- إعداد مشروعات القوانين).
فيشكل مجلس الوزراء اللجان، ويكلفها بوضع المشاريع، وبنظرته وتطلعه الخاص كسلطة تنفيذية، وكحزب قائد للدولة والمجتمع، وما يلبث أن يقرها كمشاريع ثم يعدلها ثم يقرها، كل ذلك ومجلس الشعب غائب، فهو لم ينعقد إلا مؤخراً، والحالة تستدعي العجلة!
ثم ماذا.. ستعرض المشاريع على مجلس الشعب، الذي استفاق من السبات كما يفترض، ليقول إن هذا القانون يعبر عن الشعب، وهذا لا يعبر، إن الأحزاب بهذا القانون لن تنشأ ولن تحيا، إن الانتخابات بهذه المواد لن ترضي من نمثلهم من المواطنين، إن العفو هذا لم يشمل المعارضين والسياسيين!
لا لن يكون ذلك.. بل ستعرض المشاريع على رئيس الجمهورية، ليمارس سلطاته ووفق ذات الدستور الذي ينص في مادته 111 على أن:
-1 يتولى رئيس الجمهورية سلطة التشريع خارج انعقاد دورات مجلس الشعب على أن تعرض جميع التشريعات التي يصدرها على المجلس في أول دورة انعقاد له.
-2 يتولى رئيس الجمهورية سلطة التشريع أثناء انعقاد دورات المجلس إذا استدعت ذلك الضرورة القصوى المتعلقة بمصالح البلاد القومية أو بمقتضيات الأمن القومي على أن تعرض هذه التشريعات على المجلس في أول جلسة له).
إذاً القوانين تصدر وفق أحكام الدستور ودون مخالفة نصوصه، إلا إنها ودون شك تخالف روح الدستور، وروح الدولة الديمقراطية، وتخالف الحقيقة الثابتة في حكم الشعب نفسه، بل تخالف نص الدستور في إعطائه السيادة للشعب!
ولهذا لم نجد في تلك القوانين والمراسيم التي أصدرتها السلطة التنفيذية تعبيراً عن حال الشعب المتنوع، لا شك أنها تعبر عن مجموعة منهم، وعلى رأسهم السلطة التي مارست تلك القوننة منفردة، ولكنها ما عبرت عن المعارض، ولا حتى عن رجل الشارع البسيط!
إن كان للإصلاح طريق واحد كما يقولون، فهو الطريق السليم الذي لابد أن تمر مشاريع القوانين به، من إعداد سليم من مختصين يتلمسون نبض الشارع، ثم يمر على الحكومة، ومن بعدها يطرح على مجلس شعب حقيقي، يعلم ويطرح ويناقش ثم يقر ما يناسب المجتمع والمواطنين المعنيين بهذه القوانين أولاً وأخيراً!
أما أن تخرج القوانين بلمسات السلطات، الأولية والأخيرة، وبنفـَسها، وضوابطها، ويغيب الشعب- أو يغيـّب- عن كل ذلك، ثم يزعمون أن المحامين والنقاد والمعارضين، لا يعجبهم العجب، فانظر حينها إلى قولهم هذا..
أليس هو العجب العجاب؟!
عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.