أنفلونزا قبض الرواتب والأجور في دير الزور
رغم تطور التكنولوجيا والأتمتة وما يُقال عن التطوير والتحديث، فإنّ معاناة المواطنين كبيرة ليس من انخفاض الرواتب والأجور والتي تسمى معاشات فقط، ربما تشبيهاً لها بالإعاشة التي كانت توزع أيام المجاعات، وإنما من هموم ومعاناة أخرى وبأشكال متنوعة، تُزيد الهموم هموماً، وتحديداً أيام القبض، حيث تتحول إلى أيام محشر وقبض للأرواح في مديرية التربية بدير الزور، والبنوك والمصارف التي يقبض منها المتقاعدون رواتبهم، علماً أن حلها ممكن إدارياً كما فعلت بعض الشركات، ولا يحتاج إلى قرارات عليا أو موافقات أو لجان.
ولنبدأ من مديرية التربية بدير الزور التي تعد من أكبر الدوائر الحكومية حيث يتبع لها نحو عشرين ألفاً من العاملين بمختلف الصفات، وذلك حسب تسمية القانون الأساسي للعاملين في الدولة، وخصص فيها ممرٌ للمحاسبين بطول عشرين متراً تقريباً ويتجمع في كل غرفة ثلاثة أو أربعة محاسبين، ويتقاطر العاملون القادمون من الريف والمدينة في اليوم الموعود إلى جو خانق بالروائح المتنوعة صيفاً وشتاءً وازدحام شديد معرضين أنفسهم للعديد من الأمراض التنفسية، وخاصة في مواسم الرشح والأنفلونزا، ويسميها البعض أنفلونزا الرواتب.
أمام هذا الازدحام الشديد والضغط النفسي، فوق الضغط الاقتصادي الاجتماعي، تسمع الشتم والسبّ كما أنّ العامل معلماً أو مدرساً لا يستطيع معرفة ما له وما عليه، فقط يوقع على استلام الراتب الصافي, لأن نظام الأفيش لا يستخدم، وعليه أن يأتي في يوم آخر إذا أراد معرفة تفاصيل ذلك، والعديد من المحاسبين يحسم لنفسه الفوارق الجزئية وتتراوح بين خمس ليرات وخمس وعشرين ليرة، وبعض من يطالب بها يتعرض لنظرات شزر من المحاسب ونظرات تذمر من الآخرين الذين يريدون قبض رواتبهم بسرعة، فيضطر الأغلبية للسكوت قهراً أو خجلاً!! والأدهى من ذلك أن مديرية التربية قامت بتنظيم استمارات لكل العاملين فيها من أجل بطاقات الصرف الآلي منذ أكثر من سنة وخصمت قيمتها، وللآن لم تُنجز ولا يُعرف مصيرها!؟
وهنا نتوجه إلى مديرية التربية لحل هذه المشكلة وتخفيف المعاناة والضغط على المعلمين بإيجاد مراكز لصرف الأجور في غرب ووسط وشرق المدينة، والإسراع بانجاز بطاقات الصرف الآلي وتأمين الكوّات الكافية لذلك، وإلزام المحاسبين بصرف الرواتب كاملة عبر تأمين ما يُسمى (الفراطة) وكفى الله المعلمين شر القتال.
أما معاناة المتقاعدين ومعظمهم من كبار السن والأرامل، هؤلاء الذين لا يتحملون كل هذه الضغوط بسبب عُمُرهم ووضعهم الصحي والنفسي، كما أنّ الراتب التقاعدي أقل بكثير ولا يسد الرمق وخاصة المتقاعدين القدماء منهم، فمن يتوجه منهم إلى المصارف والبنوك يجد أنّ محاسباً واحداً يقوم بهذه المهمة والازدحام أكثر بأضعاف، ناهيك عن الأسلوب الجلف الذي يُعاملهم به المحاسبون، وصالة المصرف الزراعي بدير الزور مثلاً تفتقد إلى التكييف وحتى المراوح صيفاً والتدفئة شتاءً، ويعمّ به إهمال وفوضى واضحة للعيان من خلال وضع المبنى البالي والخزائن المخلوعة الأبواب ويظهر ما في أحشائها مبعثراً من أوراق وغيرها.. كما يفتقد إلى النظافة والتهوية، هذه الفوضى تنعكس على المواطن والعمل، فكثيراً ما يتغير العامل الذي يقوم بتسليم الرواتب وكثيراً ما يتوقف لعدم توفر النقود فيذهب مرّات لجلبها من المحاسب الرئيسي لذا تطول فترة الانتظار أو تنتهي وتؤجل إلى اليوم التالي.
هنا نتوجه أيضاً إلى إدارات المصارف لزيادة عدد العاملين في تسليم الرواتب على الأقل خلال يومين من بداية الشهر، وكذلك إلى إدارة التأمين والمعاشات بالإسراع بانجاز بطاقات الصرف الآلي، وللعلم لم ولن يقبض المتقاعدون المنحة إلاّ بعد العيد لأن الشيكات مركزية من الإدارة العامة بدمشق!! وإلى إدارة المصرف الزراعي بتلافي النواقص والفوضى وتأمين التهوية والتدفئة والنظافة والنظام، وإلى المسؤولين في الدوائر والمحافظة.
إن هذه الهموم والمعاناة جاءتنا عبر شكاوى عديدة، هي تعبر عن فسادٍ إداري وروتين مسيطر وتسمح بفساد مالي متراكم، والأخطار الصحية منها كبيرة، ولكن حلها ليس معقداً ولا يحتاج إلى جهود جبّارة إذا توفرت الإرادة والمحاسبة.