مطبات: اتجاه معاكس... لصورتنا

 أنجبت جدتي ابنها في يوم حصاد على الطريق وهي عائدة إلى بيتها، قطعت الحبل السري وحدها، وعاش الابن قرابة سبعين عاماً بصحة جيدة، أما عمتي فقد حفرت بئر ماء في بيتها بالمعول والرفش، ولم تزل حتى هذه اللحظة تسقي مواشيها وزرعها من مياهه، أما جارتنا التي احترقت بالنار وتشوهت قدماها فما زالت أمهر خياطات المنطقة، وأم أحمد التي أناديها خالتي رغم أن والدتي وحيدة مازالت ترتشف فنجان القهوة المرة التي تصنعها بنفسها بعد أن قضت مع زوجها المرحوم نصف قرن تساعده في بناء المنازل، فالمرحوم كان نجار(بيتون) وساهم في بناء أكثر من ثلاثة أرباع حارتنا.

هذا ليس من باب عرض التاريخ النسوي لعائلتي أو مديح جاراتنا، أو نساء الحارة، لكن هؤلاء كن مثالاً بسيطاً عن واقع المرأة في سورية وعن عظمتها، والذي ساق الحديث عنهن السجال الذي أداره فيصل القاسم في اتجاهه المعاكس بين ضيفيه بسام القاضي مدير موقع نساء سورية، ومحمد صادق أحد الباحثين الإسلاميين، وعنوان السجال عن صورة المرأة كما يقدمها الإعلام العربي.

كالعادة دار الرجلان في سجال خارج السياق، وكالعادة أيضاً كان القاسم يغذي التوتر، وكان طبيعة البرنامج في عقل الرجلين تزيد من انفعالاتهما بسبب ودون سبب، وخارج السياق تعاركا حول الاحتشام، جرائم الشرف، الحجاب، وكل هذا أخذ وقت الحلقة، ولم يقتربا من الأسباب الحقيقية لواقع المرأة في سورية، ومن ثم كانت صورة المرأة محط خلاف من باب الفاجرات والمتبرجات من جانب الشيخ، ومن باب التمسك بعكس الفكرة من جانب القاضي.

المرأة في سورية كانت في الحقيقة خارج الحلقة الاستعراضية- باستثناء ميلي شخصياً لبعض آراء القاضي- في الوقت الذي كان السجال حول صورة المرأة في محطات العرب، نساء كن يشاهدن محطات الغناء والفن الرخيص، فتيات يتابعن المسلسل التركي، موظفات نائمات، أمهات يعددن العشاء لأبنائهن وزوج عائد من التعب، عشيقات يستفدن من انقطاع الكهرباء بسبب التقنين، ساهرات في مطاعم دمشق وكافيتريات اوتستراد المزة التي لا تعرف إلا روتانا ومحطات الغناء المسطرة على (نيل سات)- أيضاً، وهنا أسجل خلافاً مع القاضي حول المشاهدة والمتابعة-، ومتسوقات يبحثن عن ألبسة المدارس والدفاتر لعام دراسي مكلف للأسرة، وباحثات عما يملأ البراد من أجل رمضان القادم في ظل وضع اقتصادي عسير.

هذا العرض يؤكد أن المرأة في سورية كانت خارج الحسابات والسجالات التي تنتجها هذه البرامج، وأن قتيلات الشرف في سورية التي يعتبرهن القاضي من ضحايا صورة المرأة لا يشكلن رقماً، وكذلك أن المتبرجات وغير المحتشمات هن السبب في جرائم الاغتصاب التي أوردها الرأي الهش للشيخ في دفاعه عن صورة المرأة المحتشمة كان رأياً في إطار تسخين التعاكس.

كم عدد قتيلات الشرف في سورية، كم امرأة تذبح لأنها باعت شرفها، أو اغتصبت، كم من متبرجة تدور في شوارع دمشق، كم حالة اعتداء تمت على إحداهن في شوارع دمشق؟؟ لماذا يسجل المتحاوران نصراً على حساب الحقائق التي تعيشها المرأة في سورية؟

أليست الأوضاع الاقتصادية هي التي دفعت الكثيرات للعمل في الدعارة إما لإعالة أسرة فقدت معيلها، أو أسرة عضها الفقر بسبب إنجازات الفريق الاقتصادي في فتح فم السوق المتوحشة، أليس الفقر من أهم أسباب الجريمة الجنسية والانحطاط الخلقي، أليست الليرات القليلة التي تتقاضاها عاملات القطاع الخاص في معامل البسكويت والشوكولا- التي يفاخر بها القاضي وكأنه من أنصار القطاع الخاص- سبباً في هروب بعضهن للعمل في الرذيلة؟ لماذا تضطر فتاة جامعية للعمل كنادلة في مقصف أو كافتيريا؟ لماذا تضطر النسوة للوقوف في البرامكة لبيع الدخان والمهربات؟ لماذا لا تقبع المرأة في بيتها على رأي الشيخ بل تضطر لأن تعمل كالرجل؟ لماذا جيوش من الفتيات يعملن كمندوبات مبيعات للشامبو وأدوات التجميل والرد على الهاتف؟ لماذا تصل الوقاحة بطالبي موظفات (سكرتيرات) للإعلان تحت عنوان الخبرة غير ضرورية، لماذا صارت معظم نساء الريف (لفايات) غير مرغوب بهن، وخادمات أقل درجة من الفلبينيات والأثيوبيات في بيوت أثريائـ..نا؟

أسئلة كثيرة وأسباب غابت عن نصيري المرأة السورية بوجهيها، المحتشم و(نقيضه) المفترض، من أهمها أن المرأة كما الرجل هنا.. تصورها الحاجة.