(توليد طرطوس) .. والاعتداء على الحياة
يشهد الواقع الصحي في محافظة طرطوس مؤخراً، جدالاًَ واسعاً لدى مختلف الأوساط مترافقاً مع العديد من التساؤلات عما لحق بالمرافق الصحية في المحافظة من عديد الإجراءات الترميمية والإصلاحية إداريا وإنشائياً.
فبعد مشفى الباسل وما لحق بهذا الصرح الطبي الكبير من تغيرات إدارية وأعمال ترميمية للبناء عموماً، وكذلك للتجهيزات الفنية والطبية في المشفى، يتوجه المعنيون بالإصلاح والتصحيح منذ وقت قريب إلى مرفق آخر هو دار التوليد في المحافظة، لتبدأ عمليات الترميم الشاملة التي تصل حد الهدم الواسع والتغييب شبه الكامل لمعالم البناء الذي سبق، وقد أشرنا إلى حالته القديمة حين سبق واستغنى المعنيون عن البناء المجاور (المشفى العمالي) والاكتفاء بإجراءات صيانة بسيطة للمبنى المذكور من تغيير بالتجهيزات الفنية وبعض الطبية وأعمال الدهان، ليعود الاختصاصيون ذاتهم اليوم بالهدم والتكسير والإتلاف شبه الكامل للبناء.
إلا أن هذه الخطوة اليوم لايمكن اعتبارها مجرد تطبيق لأحد القرارات العشوائية وغير المدروسة كالعادة، أو مجرد هدر للمال العام، فإلى جانب التساؤل والاستغراب حول التكلفة الكلية التي ستبلغها هذه الأعمال في النهاية، وإن كانت تكلفة حقيقية تتوافق وما أنفق على عملية الترميم هذه أم لا، تبقى النقطة الأهم هنا الآن الضرر الإنساني الكبير الذي يتجلى بالاستمرار في استقبال المرضى في البناء رغم وضعه الحالي السيء، إذ لا يمكن لأي إنسان إلا أن يلحظ ما تسببه أعمال الهدم الواسعة من تلويث واسع للمناخ الصحي والتعقيمي في البناء، الذي يجمع اليوم في أعلى طبقاته كل أقسام المشفى من العمليات إلى غرف المرضى إلى بقية الأقسام، وهي طبقة متأثرة بشكل طبيعي بأعمال الهدم التي تشهدها الطبقات التي تحتها في البناء، فلا أبواب ولا جدران للغرف وحالة التردي في غرف الفحص والمعاينة بلغت حد أن راحت تعيق عمل الكادر الطبي والتمريضي عموماً، إضافة لحالة الإرباك العام التي تسود العاملين في المشفى ومرافقي المرضى، والغياب شبه التام لحقيقة وجدوى الأعمال التي تشهدها المشفى.
بالأمس كانٍ الترميم يقتصر على مشاهدة تجهيزات جديدة مكتبية وعملية إعادة الطلاء للمشفى وتركيب مظلات في ساحة المشفى الخارجية، واليوم بعد مدة جد وجيزة نفاجأ بأعمال هدم واسعة وإتلاف كامل.. فما وراء ذلك؟.
فبعد الاستمرار في استنزاف المال لانعدام الضمير لدى البعض مع غياب الرقيب والمحاسب، بلغ تمادي هؤلاء ذروته بعدم الاكتراث بحياة المرضى وهو ما يتم الآن بمشفى دار التوليد.
والسؤال من يتحمل مسؤولية غياب الظروف الصحية الملائمة؟ ومن يدفع فاتورة الضرر الصحي الذي سيلحق بالمرضى نتيجة التلوث العام من جراء الأعمال الترميمية تلك، سواء رفض المعنيون الاعتراف بذلك أم لا؟
إن استمرار انتشار ظاهرة تحول القطاع العام الصحي بمعظم مرافقه إلى مصدر استثماري مربح وبأعلى النسب للبعض، المستغلين غياب الرقيب المحاسب والمسؤول الذي يوقف هذه المهزلة، هو من أوصل الأمور إلى هذا المستوى من التردي، وهذا لا يدفع ثمنه سوى الفقراء المضطرين للاستطباب في المشافي العامة.
اليوم نقف أمام مشفى التوليد بطرطوس لنلقي نظرة عليه ونسأل: ماذا بعد؟ اليوم بلغنا حد صحة الإنسان، فماذا يخبئ الغد؟