ناحية الصور وقراها .. ليست عطشى فقط

تعد ناحية الصور وقراها الواقعة شمال شرق دير الزور بمسافة خمسٍة وخمسين كم على طريق الحسكة، والتي يبلغ عدد سكانها من الفلاحين وأسرهم نحو خمسين ألفاً، وتضم نحو ثلاثين قرية، من أكثر أماكن المنطقة الشرقية تضرراً من الجفاف والتصحر والإهمال والفساد، وخاصة بعد جفاف نهر الخابور منذ سنوات بسبب الاستجرار العشوائي للثروة المائية الباطنية بحفر عشرات الآلاف من الآبار، وقد كانت كما يقال تتمتع بالماء والخضرة والوجه الحسن، وقد هاجر على الأقل نصف السكان إلى الداخل، ويسمون حالياً غجر المنطقة الشرقية، ومن تبقى منهم فقدوا الماء والخضرة وأصبحت وجوههم كالحة بسبب الفقر والجوع والعطش، وأصبحوا عرضة لمختلف الأمراض والجائحات، وما يقدم للبعض منهم من سلال غذائية لا يسمن ولا يغني من جوع، وما يزيد المعاناة ألماً وقسوة هو الإهمال والتلوث بأنواعه.

 وقد قامت قاسيون بزيارة ميدانية للمنطقة، واطلعت على معاناة أبنائها، ورصدت الوقائع، والتقت بعض الأهالي، حيث أصبحت بيوت المنطقة أطلالاً تغطيها الكثبان الرملية على جوانب الطرقات والدروب التي كانت تسمى زراعية، ومنذ انطلاقنا من دير الزور وتحديداً من دوار الصالحية، مدخل دير الزور من جهة الحسكة، يُلاحظ إهمال مدخل المدينة وصولاً إلى منطقة المعامل التي تبعد عنها حوالي 7 كم، فالإنارة غير متوفرة ولا تُوجد حتى شجرة واحدة، ربما لأن هذا المدخل لا يأتي منه مسؤولو العاصمة!! بل وحتى الأشجار التي تقع قبل الدوار الواصل إلى المدينة، والتي يصل عمرها إلى حوالي أربعين عاماً، قد وصلت إلى حالة يرثى لها بين اليباس والتكسر!! علماً أن من أبسط الأمور التي تؤخذ بعين الاعتبار عند بناء المعامل أن تُكثف المناطق الخضراء، على الأقل للتخفيف من حدة التلوث الناجم عنها.

 ومما يبين سوء التخطيط أن كل المعامل والمنطقة الصناعية الجديدة، وحتى المصفاة المزمع إقامتها، تقع شمال دير الزور ، و الرياح في المنطقة هي شمالية وشمالية غربية، وهذا يعني أن كل هبوبها سيكون وبالاً على المدينة والقرى المجاورة شرقاً، ناهيك أن هذه الأراضي هي عبارة عن سهول وأراضٍ بكر وخصبة صالحة للزراعة، وكان من المفترض أن تكون المعامل في البادية جنوب شرق المدينة.

أما في مركز ناحية الصور وقراها فتتضح المآسي بشكل مباشر، وأولها وضع الأبنية المدرسية التي لم يمض على بنائها سوى سنوات قليلة، ومع ذلك تلاحظ على جدرانها وأرضياتها تشققات وتكسرات كثيرة، وإحدى المدارس رصد لها مليون وأربعمائة ألف لصيانتها، ولم تجر هذه الصيانة في فترة الصيف، ومنها ما هو جديد ولم يبدأ العمل به، ومع ذلك تتواجد فيها العيوب نفسها، وهنا نتساءل: تُرى ما هو حجم الإهمال والفساد الذي كان وراء ذلك؟ وأين الجهات المسؤولة كالخدمات الفنية وأبنية التعليم؟ وكيف جرى استلام هذه الأبنية، ولماذا لم يحاسب أحد عن ذلك؟!

ومن متابعة مياه الشرب تبين أن محطة التصفية أنشئت عام 1981 على أن تُزود بالمياه من نهر الخابور، وبعد افتتاحها في إحدى المناسبات وتصوير ذلك تلفزيونياً، توقفت، ثم جاء جفاف نهر الخابور فبقيت على وضعها وأهملت وأصبح بناؤها وأجهزتها قديمة وشبه بالية حتى عام 2004، عندما تمّ جر قناة من نهر الفرات لري المنطقة، إلا أن مياهها غير صالحة نهائياً بسبب العكر والتجرثم، وحتى كمية الكلور التي توضع للتعقيم اسمية، والسبب أن القناة مكشوفة، وأطرافها محفورة بشكل مائل، وكثيراً ما تغرق فيها الحيوانات كالأبقار والحمير والثعالب وتتفسخ جثثها ناهيك عن الحشرات والثعابين وغيرها، فتسبب أمراضاً وإسهالاً جماعياً.

 وقال المواطن (خلف): «نضطر لشراء مياه الشرب لملء خزانات منازلنا بـ500 ليرة وتصوروا ممن؟! من معمل الورق بدير الزور، وأصيب أفراد أسرتي كلهم عدة مراتٍ بالإسهال، وقد تمضي ثلاثة أشهر ولا تصل إلينا المياه رغم أن بيتي لا يبعد عن الخزان سوى مائة مترٍ، ومع ذلك أدفع في كل دورة حوالي ألف ليرة قيمة مياه لا تصلني!! فلماذا لا تجري متابعة أمور المحطة؟ ولماذا لا تجر لها المياه بقساطل من نهر الفرات كما تم جرّ المياه لمحافظة الحسكة وحلب؟»

هذا غيضٌ من فيضٍ مما يجري في مركز الناحية، أما في القرى فالصورة أشد قسوة، ولا يكفي بلغة الصحافة والإعلام أن نقول ماذا وأين ومتى في نقل الأخبار والوقائع، وإنما أن نسأل لماذا وكيف لوضع الأمور في نصابها، لذا نقف إلى جانب فلاحي ناحية الصور وأبنائهم وأسرهم ونطالب بمحاسبة المهملين والفاسدين، وتحقيق كرامتهم كمواطنين لأنها من كرامة الوطن.