نابشو القمامة.. وحرائق المكبات.. والحكومة
أكثر ما يلفت الانتباه في تصريحات المسؤولين حين تشب الحرائق في مكبات النفايات، هو ذكر النابشين الذين يعملون في التنقيب داخل أكوام القمامة، وتحميل الجهات الحكومية لهم مسؤولية ذلك بشكل يبعث على الألم والاستغراب بآن واحد.
والحقيقة أن هؤلاء النابشين، وهم حشود غفيرة من الفقراء يزحفون يومياً باتجاه مكبات القمامة بحثاً عما يمكن الانتفاع به أو إعادة تصنيعه، غالباً ما يعملون تحت سيطرة وإشراف متعهدين أو تجار كبار اتخذوا من القمامة وسيلة لرفد ثرواتهم بالمزيد من الأموال. وفوق ذلك فإن قسماً لا بأس به من هؤلاء المعدمين، يأتون بحثاً عما يسد الرمق وسط أكوام نفايات الأحياء الغنية. ويستطيع المدقق في عملية النبش أن يرى تصارع عددٍ منهم على أكياس محددة يتم تفريغها في شاحنات باتوا يحفظون الأحياء التي تأتي منها، لأن خبرتهم في الفقر وفي تجاهل السياسات الحكومية لهم، جعلتهم يحفظون سيارات القمامة القادمة من الأحياء الغنية، ويميزونها عن تلك المحملة من الأحياء الفقيرة.
وقد أسهب العديد من المسؤولين في الحديث عن وجوب قمع هذه الظاهرة غير الحضارية، (وخصوصاً بعد حريق مكب حمص الذي كاد يتحول لكارثة) وتخصيص المزيد من الحراس وعناصر الشرطة لطرد هؤلاء. واقترحت بعض العقول النيرة تنظيم عمل النابشين، تجنباً للفوضى ولأي مظاهر صراع (غير حضاري) على أكياس القمامة.
ونسي المتحدثون ومقترحو الحلول أن هؤلاء الفقراء هم مواطنون سوريون لهم حق الحياة الكريمة، ويقع على عاتق الحكومة السعيدة باللبرلة والانفتاح والخصخصة التفكير جدياً بما آلوا إليه وتأمين فرص عمل تضمن الحد الأدنى من الكرامة لهم، وتجنبهم التعرض لمثل هذه التقييمات اللاإنسانية عند الحديث عنهم.
لهؤلاء النابشين الذين لن يتسنى لمعظمهم قراءة هذه الكلمات نقول: إن عملكم هذا أكثر كرامةً وشرفاً وحضاريةً من السطو على المال العام، وأنظف من التستر على الفساد المتورط فيه كثيرون ممن يهاجمونكم ويتهمونكم جزافاً.
وأما القائمون على السياسة الاقتصادية في البلاد، والمتسببون في وجود هؤلاء الفقراء وفي لجوئهم إلى عمل كهذا، أولئك الذين لن يهتموا بهذه الكلمات حتى لو تسنى لهم قراءتها فنقول: أنتم من تتحملون مسؤولية وجود مشكلة اسمها النابشون، وأنتم المعنيون بحلها بشكل جذري..