مجانين عامودا.. والحكمة الحقيقية!

قديماً قيل: «خذوا الحكمة من أفواه المجانين».. ومجانين عامودا لهم باع طويل في ذلك، والتاريخ يشهد..

فعلى سبيل المثال، حدث خلاف ذات مرة بين عميد المجانين في عامودا «سمو»، والدلال «صوفي حسن»، فقررا الذهاب إلى إمام الجامع الكبير ليحكم بينهما.

بدأ الدلال الحديث فشرح للإمام الموضوع بإيجاز: «أتاني الأخ، وعرض علي معطفه للبيع، واشتريته بمبلغ كذا إشفاقا عليه، ثم غاب، وبعد ساعات جاء يطالبني بفسخ عقد البيع بعد أن بعت المعطف.. فما رأيك يا إمامنا»؟

قال الإمام: «هذا بيع وشراء.. وهما مباحان شرعاً، ولا يمكن الرجوع عنهما إلا باتفاق الطرفين».

هنا سارع سمو لاستدراك الموقف، فقال للإمام بثقة: «هل تأذن لي بالكلام يا سيدي؟»..

قال الإمام: «هات ما عندك»..

قال سمو: «ألستم أنتم رجال الدين والعلم.. تقولون إنه إذا أبرم عقد مع مجنون، فإن هذا العقد لغو وباطل؟».

فابتسم الإمام وقال: «هذا صحيح.. وما نطقت إلا بالصواب».. ثم التفت إلى الدلال وقال له: «رد إليه معطفه، أو أعطه المبلغ الذي يريده»!!!.

الأمر الذي ذكرني بهذه الحادثة لقائي مع حسين، ذاك الشاب الذي يصل طوله إلى نحو مترين، ويبلغ من العمر حوالي30عاماً، ويحمل بيده علماً أو عصا، ويسير دائماً في مقدمة المظاهرات عاري الصدر مفتول العضلات.. هذا الرجل أصابه مس عقلي مؤخراً، وراح في الفترة الأخيرة  يردد شعاراً واحداً لا يردد سواه وهو (شهيد نامري، شهيد نامري)، أي الشهيد لا يموت، أي هو وأقرانه أحياء عند ربهم. اقترب حسين مني ونحن نسير في المظاهرة، وقال: «لي عندك طلب». فقلت له: «أنت تأمر يا رجل.. ما طلبك»؟ فقال حسين: «أريد أن ترفعوا في الأسبوع القادم شعاراً جديداً وهو (لا لاحتكار التجار للبضائع.. نعم لتوزيع الحكومة للبضائع).

سألته: «طيب يا حسين، ليش ما تقول لرفاقك كي يرفعوا هذا الشعار»؟

أجاب: «أنتم وحدكم من ترفعون لافتات وشعارات صحيحة، وخاصةً عندما تقولون (كرامة المواطن فوق كل شيء)».. فسألته: «وهل صحيح أن التجار يحتكرون المواد والبضائع»؟ أجاب: «نعم يا أستاذ، ليش كيلو سكر الشاي ارتفع من 25 ليرة إلى 75 ليرة»؟ وتابع: «أحيطكم علماً بأنني حرمت على نفسي خبز الحكومة السورية لأنها تضرب المتظاهرين، ولا يوجد عندي غير الخبز والشاي، وحالياً لم يبقَ عندي إلا الشاي، لأن سعر كيلو السكر صار بـ75 ليرة. من وين رح أجيب ثمن السكر؟».

فقلت له: «الحق معك يا حسين».. عندها كنا قد وصلنا في مظاهرتنا قريباً من مؤسسة عمران، فبدأ بعض المتظاهرين برمي الحجارة على المؤسسة، فصعد حسين على جدار البناية منادياً الشباب: (يا شباب مو هادا مطلبنا).. لكن مع الأسف تابع بعض الشباب رمي المبنى بالحجارة والبندورة أيضاً.

وبعد وصولي إلى المنزل، فكرت بالمواد التي ارتفعت أسعارها مؤخراً بالإضافة إلى مادة السكر، فوجدت أن جميع المواد ازدادت أسعارها، من مواد غذائية وأجور النقل والسكن..إلخ.. فقلت في نفسي إن المواد في الماضي كانت ترتفع أسعارها بارتفاع سعر المازوت، ولكن بعد انخفاض سعر المازوت لماذا ما تزال الأسعار إلى ارتفاع في جميع المواد.. لماذا؟ «مو شي بيجنن»؟؟. 

عامودا- حمدالله إبراهيم