الوطن حقوق وحدود
لاشك أن الوطن ليس مجرد جغرافيا وحدود سياسية، بل هو أيضاً وقبل كل شيء، شعب يصون هذه الحدود ويرفع قيمة وطنه ويحمي استقلاله ومنعته.. ومن هنا من الضروري التأكيد على وحدة وتلازم المسار بين العناصر الثلاثة التي ما انفكت اللجنة الوطنية لوحدة الشيوعيين السوريين تصر عليها، ألا وهي الاقتصادي- الاجتماعي، والوطني، والديمقراطي..
من يركز اليوم على أنصاف الحقوق خارج دائرة الحدود، يتبع أسلوب التعمية لتكريس أفكار ترتبط بمصالحه الذاتية بارتباطاتها المشبوهة، وهو دون ريب، يريد شيئاً آخر لا يفصح عنه، ويراوغ دونه على طريقته.. أي يريد إصلاحاً سياسياً بمعزل عن الإصلاح الاقتصادي وعن القضية الوطنية، وهذا يوصلنا إلى إلا حقوق ناقصة وإلى حدود مستباحة، وخاصة إذا أراد إصلاحاً سياسياً يتناغم مع جهة ما هي حتماً لا تريد الخير لسورية وشعبها..
إن اللعب بالأولويات أو التغافل عن بعضها، يجعلنا نخرج بنتائج مشوهة، فمن يتشدق بالخطاب السياسي الأجوف، ويصر على أن الإصلاح السياسي بمفرده هو الذي يحل الأزمة الحادة التي تمر بها البلاد، إنما يريد بالعمق دفع الأمور إلى مزيد من التأزم، أو الانفراج على أساس يضعف مكانة البلاد أو يفتتها، أو يجعل منها مزرعة دون حراسة للناهبين من كل صنف وجنسية.. وهذا ما لن يقبل به أي سوري غيور على وطنه.. ولعل هذا ما يزيد اليوم مهمة إنقاذ البلاد تعقيداً، بحيث ستصبح المعركة القادمة لا محالة كسر عظم، وخاصة إذا ما تمسك الوطنيون الشرفاء بشتى انتماءاتهم الفكرية بخيار الإصرار على تلازم المسارات الثلاثة السياسية والاقتصادية الاجتماعية والوطنية في أية عملية إصلاح.
إن العدالة في توزيع الثروة في البلاد هي مطلب عام وملح، ويفرض جدياً البدء بمحاسبة الناهبين، من خلال قضاء نزيه ومستقل يقوم بمحاكمتهم على ما نهبوه، وإعادة الثروة لأصحابها الفعليين المنهوبين. إن المسالة ليست إعادة توزيع الثروة بين الناهبين أنفسهم على سبيل الصفقات، لأن الناهبين أو «الحرامية الكبار» هم الذين أوصلوا البلاد والعباد إلى هذه المرحلة ـ وهذا يجعل المهمة أمامنا أكثر تعقيداً.
ففي المحصلة النهائية سيلتقي الحرامية الكبار، ناهبو الدولة والشعب، مع ما يسمى «المعارضة»، الاسمية وليست الفعلية، لأن كليهما يلتقيان في محطة واحدة، وهي رب عملهم وموجههم خارج البلاد، وهو واحد على كل حال..
والسؤال المهم هنا: كيف يفهم لصوص الداخل معنى الإصلاح الاقتصادي؟ هم بلا شك لا يفهمونه خارج الاقتصاد الحر الليبرالي المشوه.. ويريدون إبقاء الحال على ما هي عليه مع بعض الرتوش، لأن البقرة الحلوب التي لن يتخلوا عن استنزافها هي الخيرات المادية في الوطن، من أجل الاستمرار في تحويلها من خلال عمليات الفساد الكبير إلى جيوبهم وخزائنهم.. وتلتقي رغبتهم هذه مع اللصوص الخارجيين الممثلين بالمؤتمرات الأخيرة برعاية «ليفي» الصهيوني والرب الأمريكي.. فهؤلاء أيضاً لا يريدون طرح برامج واضحة المعالم، لا في القضية الاقتصادية - الاجتماعية ولا في القضية الوطنية أبداً..
إن كليهما بالمحصلة يريد إصلاحاً ضبابياً، وبالتقائهما ستذهب المطالب الشعبية أدراج الرياح، فلا حدود ولا حقوق.. وسلوك الطرفين وخطابهما سواء في الداخل والخارج يكاد يكون واحداً في هذا الإطار.
بما أن الطرفين، ما يسمى بالمعارضة اسمياً وليس فعلياً، والحرامية الكبار في جهاز الدولة والمجتمع وأذرعهم الضاربة في الشوارع، ليسوا مختلفين حول القضايا الكبرى، فمن الطبيعي أن تجد الحركة الشعبية نفسها مشتتة في شعاراتها ومطالبها..
ويبقى الأمل في القوى الوطنية الشريفة للمبادرة الجدية من أجل إنهاء هذه المهزلة المفضوحة، ووضع الأمور على السكة الصحيحة بما يخدم وحدة البلاد واستقلالها، وحصول الشعب على حقوقه كافة دون نقصان..