الفساد.. ولغة المدعومين والمحميين
قبل أيام سألت شخصاً من ذوي أحد الموقوفين من رؤساء البلديات بمدينة دمشق بتهمة الفساد، عن الحصيلة الكبيرة من السرقات التي ابتلعها المشار إليه، وعما كان سيفعله بالمبالغ الطائلة التي تكفيه " لولد الولد " كما يقولون، فأجاب وبكل فصاحة الصراحة: هناك شيء علاجه صعب، اسمه الفجع، والفجع قد يكون سلطوياً، وقد يكون مالياً، وقد يكون الاثنين معاً، وفي حالات نبيلة يحمل اسماً آخر اسمه: الالتهام النبيل للأخلاق والمعرفة والكد والعمل. أما الفجع المالي المتوالد عن ظاهرة الفساد فحدث ولاحرج، خصوصاً في ظل المنعطفات والأوضاع الصعبة التي تمر بها الأوطان، حيث يصبح عندها الفساد والفاسدون كالطحالب التي تنمو في المياه الآسنة، مستغلين الواقع الراهن، غير آبهين بحياة ولقمة عيش المواطن العادي، عاملين على استنزافه، وتنظيف جيوبه شبه الفارغة أصلاً، وعلى حد قول الشاعر الكبير سليمان العيسى: أجهدوا النعجة الهزيلة بالحلب … فخارت من وطأة الإجهاد.
المقدمة إياها تكفي كي أقول أولاً بأن خطوة محافظ دمشق السيد بشر الصبان بإقالة عدد كبير من المدراء والمعاونين، وتطبيق المقاييس الجديدة القائمة على المهنية والكفاءة وحسن السيرة الذاتية، خطوة أولية متواضعة على طريق تحرير مؤسسات المحافظة من ديناصورات التسيب والفلتان والرشاوى، وسوء الاستقامة والتردي الأخلاقي وحتى … اللاوطني في دوائر المحافظة والبلديات على وجه الخصوص، ومنهم أولئك الذين امتهنوا واستمرؤوا التغطية على مخالفات البناء في المناطق المختلفة على أساس تسعيرة معينة لكل متر مخالفة، وعندما كان المواطن التعيس يناقشهم في السعر كان الجواب بأن المبالغ تقسم وفق حصص معينة.
وبالإجمال إن خطوة السيد محافظ دمشق، تنتظر إجراءات إضافية، بالرغم من الخطوة الأخيرة، قد تكون مست بجوانب منها بعض الصالحين الذين ضاعوا بين فساد الطالحين.
من جانب، وفي مجال الحديث عن الفساد، نتوجه للهيئة المركزية للرقابة والتفتيش لنسألها عن رئيس إحدى الجمعيات التعاونية السكنية القائمة على جبل قدسيا (جمعية الســ)، حيث خضع للتساؤل من قبلها بناء على شكاوى أعضاء الجمعية، وتم إقصائه لفترة قصيرة لا تتعدي شهر ونصف ثم أعيد لرئاسة الجمعية، وكأن إجراء الهيئة المركزية للرقابة والتفتيش لم يكن سوى "تكحيلة عين" فقط. فعاد إلى رئاسة الجمعية «كعودة حليمة لعادتها القديمة»، وقد أعمى قلبه الفجع، يمارس الفساد بشكل متقن متقن متقن جداً جداً جداً، كالحاصل على شهادة البورد الأمريكية في أي اختصاص يتطلب مهارات عالية. فهل تتدخل وتسأل الهيئة المركزية لإنصاف المواطن البسيط الذي قال عنه الشاعر سليمان العيسى ما أوردناه أعلاه، وتخضع رئيس الجمعية للسؤال بشأن المقاسم القديمة المسلمة للمواطنين منذ 14 عاماً، حيث مازال يحاول ابتزاز المواطنين بأن حساباتها لم تغلق بعد، أم يبقى المواطن خائفاً من هذا الوحش الآدمي الذي يومئ لمن حوله بأنه "محمي" ويحجز أرقاماً سكنية لأفراد يستطيعون أن يدافعوا عنه في المشروع الجديد للجمعية. إن الوفاء للوطن، وتفويت الفرصة على اللعبة الدولية الأمريكية بحق بلدنا، تحثنا وتدعونا لتطهير صفوفنا من أصحاب اللغة البائدة /لغة المدعومين، ولغة المحميين، ولغة الالتفاف المدروس على القانون …/، فهم بكل الحالات أقزام في وطنيتهم وأخلاقهم، ولا ضمير لهم حين يستهدفون الغلابة والأرامل والولايا وذوي الدخل المحدود من أبناء وطننا.
إننا نناشدكم، ونعتب عليكم من موقع الحرص، وأنتم حراس الحق في الهيئة المركزية للرقابة والتفتيش أن تعيدوا للمواطن الثقة بكم، وبنزاهة دوركم وعملكم، وسموه، باعتباره دوراً وطنياً بامتياز، ولتتوحد كل الأيدي من أجل سورية الغد، بأبنائها وقيادتها الشابة التي تقود السفينة نحو الانتقال بسورية إلى الآفاق المفتوحة للقرن الجديد. كما نأمل أن تترجم التوجهات التي تقضي يعدم جواز البقاء في موقع معين لمدة تزيد عن أربع سنوات.