نزار العبد الله نزار العبد الله

كيف نواجه العقوبات الأمريكية؟

تحاول أمريكا أن تفرض على سورية قائمة من الإملاءات المركبة، ومنها إملاءات في السياسة الاقتصادية كالخصخصة، وإلغاء الدعم، وتخفيض العبء الضريبي على الأثرياء من خلال تخفيض التصاعد الضريبي على دخولهم، مقابل رفع العبء الضريبي على الكادحين وأصحاب الدخل المحدود بفرض ضريبة القيمة المضافة، أو ضريبة المبيعات، أو ضريبة الرفاه...إلخ.
إن كل ما ينجم عن هذه السياسات يهدف إلى إضعاف دور الدولة المركزي ودفعها باتجاه التخلي عن دورها الاجتماعي العام، كالتخلي عن التعليم الرسمي، بفتح الباب أمام التعليم الخاص، وجعل الرعاية الصحية غير مجانية كما هو الآن، وإلغاء الجمارك على المستوردات لتصبح الدولة فقيرة لا تستطيع القيام بمهماتها الاجتماعية وعاجزة عن التدخل في توجيه دفة الاقتصاد...إلخ. وكلما امتثلت سورية لمثل هذه المطالب والإملاءات ،كلما تم إعداد قائمة جديدة من التنازلات الاقتصادية التي  عليها الامتثال لها مجدداً.

الشراكة الأوربية تكريس للتبعية
ولتكريس التبعية بشكل أكبر، تدعو أمريكا سورية للدخول في شراكة مع الاتحاد الأوربي والتي تتضمن التطبيع مع العدو الإسرائيلي بشكل ضمني، وهذه الشراكة هي في الواقع استعمار حديث أكثر خطورة من الاستعمار التقليدي والاحتلال المباشر، وهي بوابة للدخول في اتفاقية التجارة العالمية والتي أعدت طبقاً لمصالح الدول الرأسمالية الكبيرة، وأخذ إعدادها نصف قرن. والتي من المتوقع أن تقيد سورية بألف قيد اقتصادي إذا ما تم التوقيع عليها.  ونحن نرى أنه ليس من مصلحة سورية أن تدخل في اتفاق الشراكة قبل استكمال الوحدة العربية وإنجاز النهضة الاقتصادية العربية وبناء تحالفات مع باقي الدول الإسلامية، والدول الآسيوية كالصين والهند وروسيا ودول أفريقيا وأمريكا الجنوبية، أما قبل ذلك فإنه سيتم تفويت فرص التنمية الاقتصادية على سورية.
 
العقوبات الاقتصادية المحتملة على سورية؟
سوف تتعرض سورية إلى الكثير من العقوبات الاقتصادية الدولية، ومنها على سبيل المثال طرد العمال السوريين من البلدان العربية الأخرى التي يعملون فيها حيث يقدر عددهم بنحو مليوني عامل موزعين بين لبنان والخليج والأردن والسعودية.
كما يتوقع أيضاً أن يتم تجميد كلاً من الودائع الحكومية في الخارج والتي تنوف على 50 مليار دولار وودائع القطاع الخاص التي تقارب 200 مليار دولار. يضاف إلى ذلك أنه من الممكن أن تعمل أمريكا باتجاه وقف الصادرات الأمريكية إلى سورية مثل قطع الغيار للطائرات، وأن تقوم بالاتفاق مع الاتحاد الأوربي لإيقاف توريد قطع الغيار ومستلزمات الإنتاج...إلخ. مع العلم أن حصة وارداتنا من الغرب الاستعماري تصل إلى أكثر من 60% من إجمالي وارداتنا من العالم. يضاف إليها أن تقوم أمريكا بفرض وقف نشاط الشركات الأمريكية العاملة في سورية، ودفع العديد من المصارف الخاصة التي بدأت العمل في سورية على سحب الودائع السورية وتوظيفها في الخارج.

 خصخصة القطاع العام
من حيث المبدأ هنالك صيغ عديدة لخصخصة القطاع العام تبدأ من تأجير شركاته، أو بيعها، أو استثمارها من رأس المال الخاص المحلي أو العربي أو الأجنبي ومنه الصهيوني والإسرائيلي أيضاً، كما حدث في مصر والأردن، لقد بني القطاع العام في سورية بجهود وعرق وتضحيات العمال والفنيين، عبر تضحياتهم بالقبول بأجور منخفضة، وشروط عمل صعبة لضمان تأمين السلع الضرورية لمستلزمات الإنتاج والاستهلاك الوطني، وهو ما يدعو للمحافظة عليه بأي ثمن كان.
إن الخصخصة لن تخلق فرص عمل جديدة، وستخسّر الخزينة إيرادات الضرائب التي كانت شركات القطاع العام تؤديها للدولة مع أرباحها وفائض السيولة. وهذه هي أهم الإيرادات الضريبية مع العلم أن ما يدفعه القطاع الخاص صغير، وسيتم تسريح قسم من العمل فوق ذلك لتتفاقم مشكلة البطالة.
 
إلغاء الدعم...انهيار للاقتصاد
إذا تم إلغاء الدعم فسينهار الاقتصاد السوري، لأن وسطي الأجور في سورية هو أقل بـ13 مرة من مثيله الأوربي، وهو أخفض من نظيره في دول الجوار أيضاً. إن انخفاض سوية الأجور يتضمن دعماً من العمال للدولة وللشركات العاملة في كل القطاعات، ومنها القطاع الخاص، وكذلك سلع التصدير، وها هو صندوق النقد الدولي يطالب بإلغاء الدعم عن المازوت بنسبة 60% في المرحلة الأولى. فهل يعقل هذا؟ تدعم جميع الدول الرأسمالية الإنتاج في محاولة للتقليل من فروق توزع الدخل والثروة وتوجيه دفة الاقتصاد وهي دول بلغت مرحلة متطورة من التنمية الاقتصادية فكيف نلغيه، ونحن ومانزال في مراحل مبتدئة من التطور الاقتصادي بسبب الهيمنة والنهب الاستعماريين؟
 
إلغاء الجمارك...خسارة مؤكدة
إلغاء الجمارك يعني تدمير المصانع والكثير من الشركات القائمة لعجزها عن المنافسة، فالشركات السورية ذات رأس مال متواضع وصغير لا يتجاوز بضعة ملايين من الليرات السورية في أحسن الأحوال، في حين أن رأسمال الشركات الغربية يصل إلى مليارات من الدولارات في أسوأ الأحوال. وبالتالي فإن هذه المنافسة ظالمة وقاتلة للشركات السورية. لقد أقيمت الحواجز الجمركية خلال القرن العشرين لحماية الإنتاج الوطني من المنافسة الأجنبية واستمرت زهاء قرن، وماتزال سواء بتحديد كميات، أو وضع رسوم جمركية. وبالتالي لا مصلحة لنا في إلغاء الجمارك. حيث سنخسر فوق ذلك إيرادات ضخمة تحتاجها الخزينة لتوفير موارد للاستثمار الحكومي وللإنفاق الجاري على الجيش والتعليم والصحة وتأمين خدمات البنية التحتية...إلخ.
 
الضرائب على الفقراء فقط...
يود الغرب أن يفرض علينا نظاماً ضريبياً جائراً لمصلحة الأثرياء، وأن يخفض حجم الإيرادات الضريبية على هذه الفئة، وقد استجاب الفريق الاقتصادي وخفض التصاعد الضريبي في ضريبة الدخل من 63% إلى 28% مع العلم أنه يصل في دول الاتحاد الأوربي إلى 60% وتشكل إيرادات ضريبة الدخل أكثر من نصف الواردات الضريبة. علينا أن نعد نظاماً ضريبياً يؤمن للخزينة الموارد الكافية للتنمية الاقتصادية المرتفعة ولإعادة إعمار البنية التحتية المتهالكة.
 
ماذا يجب أن نفعل...
* علينا أن نخلق ملايين فرص العمل اعتماداً على استثمارات ضخمة وعبر التمويل بالعجز.
* علينا أن نرفع مستوى الأجور، ليصبح الحد الأدنى 25 ألف ل.س قبل 2010.
* علينا أن نوقف عملية الخصخصة في مجال التعليم والصحة، وأن نرفع حصة موازنة التعليم في كل مراحله بشكل كبير جداً لتأمين التعليم المجاني وكذلك الصحة المجانية في مشافي الدولة مع التوسع فيها. نحقق بذلك رفعاً لإنتاجية العمل وزيادة في معدلات التنمية الاقتصادية.
* على الخزينة أن تؤمن موارد كافية لتطوير البنى التحتية من خطوط حديدية ومدن صناعية ومدن سكنية صحية وبأسعار في متناول العمال وأصحاب الدخل المحدود.
* يجب إزالة العقبات البيروقراطية وغيرها المزروعة في طريق القطاع الخاص ودعمه عبر تسليف بعيد المدى وبفوائد مدعومة كي يساهم بالتنمية الاقتصادية، دون أن يهيمن على الاقتصاد أو القرار السياسي.
* يجب إصلاح وتوسيع وتطوير القطاع العام والمشترك والحرفي.
* يجب جعل الدراسات حكراً على بيوت الخبرة العربية، المحلية خاصة، وإبعاد بيوت الخبرة الأجنبية.
* ترشيد سياسة الإنتاج والاستهلاك بربطها باستراتيجية التنمية الاقتصادية، والاعتماد على الغاز عوضاً على المازوت في النقل والكهرباء والصناعة، فنخفض حجم الدعم غير المبرر ونخفض كلف الإنتاج.
* علينا اتخاذ مبدأ الاعتماد على الذات في التنمية الاقتصادية والعمل على تقوية التكامل الاقتصادي العربي ومع الدول الإسلامية والصين والهند وروسيا وأفريقيا وأمريكا الجنوبية.
* علينا تخفيض استيرادنا من الغرب بشكل كبير جداً وتنويع مصادر الاستيراد، تفادياً لعقوبات محتملة في أي وقت، والبحث عن أسواق بديلة سواء للواردات أو الصادرات.
* علينا تقوية تحالفنا مع حركة التحرر العربية في فلسطين ولبنان والعراق خاصة وترسيخ تحالفنا مع الدول الإسلامية، خاصة إيران، لأنها مستهدفة أيضاً من عدونا المشترك الرأسمال الاستعماري.
* علينا أن نجعل حصة الاستثمار تتجاوز 40% من الناتج الإجمالي، لنحقق معدلات تنمية مرتفعة تصل قرابة 15% وهذا ممكن، فنخفض الودائع الرسمية الموظفة في الخارج بمعدل 2 مليار دولار سنوياً وأن نوظف فرائض الميزانيات الحكومية والتي تقارب 400 مليار ل.س، بالإضافة إلى توظيف أموال التأمينات الاجتماعية كلها والودائع الكبيرة الحجم في مصارفنا العامة والخاصة المجمدة عندما نكرس دولة القانون ونحارب الفساد، تعود حصة كبيرة من الودائع الخاصة في الخارج سواء على شكل استثمارات أو ودائع في المصارف السورية ويمكن استثمارها. عندما نحرر اقتصادنا من الهيمنة الاستعمارية، يقوى ويشتد تحررنا وصمودنا السياسي.