متى، ومن؟ يعلن الحرب على الفساد الكبير
أثارت انتباهي زاوية صغيرة في العدد الماضي من العزيزة (قاسيون) تتساءل: إلى متى سيتم تسليط الأضواء في الصحافة الرسمية على الفساد الصغير والمتوسط، بينما قضايا الفساد الكبير تسجل ضد مجهول؟ ولأن السؤال – المشكلة- هو قضية اقتصادية اجتماعية تهم الأغلبية المنهوبة من فقراء بلادنا، ولأنها مشكلة وطنية تتعلق بمصير الوطن وتطوره اللاحق، ولأنها مشكلة أخلاقية لما نتج عن هذا المستوى من الفساد من ضرب البنية المجتمعية والدوس على القيم وتهتك البنية الأخلاقية للمجتمع وتعميم ذاك النمط الأخلاقي المتمثل بـ(الوطن، غنيمة)، من أجل كل ذلك سنجتهد في الإجابة، وإن كان سؤال (قاسيون) يتضمن جوابا مضمرا أوضحته لمرات ومرات..
بداية لابد من التنويه بأن الفساد الكبير هو نتاج ذلك الشكل من التطور المشوه في الاقتصاد السوري وسيادة علاقات الإنتاج الرأسمالية ذات الطابع الطفيلي، وهو ابن شرعي لنموذج رأسمالية الأطراف البدائية المنهوبة التي تتقاطع مصالح نخبها (الكومبرادور) وبشكل مباشر مع مصالح الشركات العابرة للدول، وهذا التقاطع في المصالح هو أحد مصادر قوة مراكز الفساد الكبرى، وإحدى مؤشرات خطرها ليس على الشعب عبر إفقاره وإنهاكه فحسب، بل على الوطن كبنية تاريخية، جغرافية، سياسية، ثقافية..
إن قسماً هاماً من مراكز الفساد الكبرى تتمركز داخل أجهزة الدولة أو على أطرافها عبر علاقات القربى أو تشابك المصالح مع كبار المسؤولين، لذا فان المصدر الثاني لقوته هو الدولة كجهاز قمع، ومن الطبيعي والحالة هذه أن تستغل موقعها لحماية مصالحها ( نهبه)، وتجهض كل محاولة إصلاحية يتبادر إلى ذهن أحدهم القيام بها، ومن هنا واستنادا إلى موازين القوى الحالية ضمن جهاز الدولة من العبث والوهم، أو من باب تضليل الجماهير انتظار مهمة إقصاء بارونات الفساد الكبير دون نقل المعركة إلى المجتمع، وإشراك القوى المتضررة وهي الأكثرية الساحقة من المجتمع السوري في المعركة ضد رموز الفساد عبر تلك الأساليب الكفاحية الاحتجاجية ( إضرابات، اعتصامات) كرد على عقلية الخنوع والقبول بالأمر الواقع والتخويف، و(اللهم أسألك نفسي) التي عممتها علاقات الإنتاج السائدة في الوعي الجماهيري، وثقافة المجتمع الاستهلاكي التي تنتشر عموديا وأفقيا مع انتشار الفساد من هنا فان القوى السياسية الوطنية والرموز الثقافية والفنية والأكاديمية في الدولة والمجتمع المتضررة قولا وفعلا من الفساد كمنظومة اقتص*ادية وسياسية وأخلاقية مدعوة إلى الارتقاء بأساليب عملها والنزول من علياء خطب الصالونات، والنضال الانترنيتي ومواعظ الغرف المغلقة والصراعات الوهمية إلى الشارع، وإيجاد حالة تفاعل مع القاع الشعبي البسيط المكتوي بنار الفساد أكثر من غيره، وهو الوحيد القادر على وضع حد لهذه الغرغرينا التي باتت تفتك بالبلاد والعباد، وفي ذلك تحديد دقيق لخط التماس في المعركة الوطنية الكبرى المفروضة علينا كوطن وشعب والمتجسدة بمشروع الشرق الأوسط الجديد أو ملحقاته، فالمواجهة مع المشروع الأمريكي الاستعماري تبدأ من مواجهة استطالاته المحلية والتي يعبر عنها الفساد الكبير موضوعيا خير تعبير.