كيف أصبحت شيوعياً الرفيق أبو معروف: جذبتني الشيوعية.. لأنها تعني إعادة توزيع الثروة
قبل ارتفاع المنشآت الحرفية والمعامل الصغيرة والكبيرة على أراضي غوطة دمشق، وقبل أن تتوسع العاصمة بامتداداتها ويزداد عدد سكانها من ثلاثمائة ألف إلى قرابة ستة ملايين - كان ثمة قرى متناثرة تحيط بها كالسوار، ثم صارت جزءا من أحيائها، ومنها حي القابون محط لقاء ضيف هذا العدد.
وكما تعرض عدسة السينما مخزونها من الصور والمشاهد والوثائق والأحداث،أو بكلمة أدق كما تتدفق مياه النهر الغزيرة هكذا كان يتدفق حديث ضيفنا الرفيق محمد راتب بن عبد المحسن بلال وهو واحد من الرفاق القدامى الذين ما زالوا في صفوف الحزب، وفيما يلي مختصر لما جرى في هذا اللقاء..
- الرفيق أبو معروف... كيف أصبحت شيوعيا ؟
- أنا من مواليد قرية القابون عام 1933، وأبي كان يعمل طيّاناً يبني (الدكوك)، وهي جدران ترابية للمنازل والبساتين، وهو عمل موسمي يتوقف أيام الشتاء، لذلك عانت عائلتنا صعوبة العيش ومرارته. لم تكن طفولتي تختلف عن طفولة كل أبناء الفقراء، ولم تكن في القرية مدرسة رسمية، بل عدد من (الكتّاب) يعلّمون الأولاد القراءة والكتابة لقاء أجر أسبوعي أو شهري أو سنوي، ولضيق ذات اليد لم أتابع التعليم، وقمت بالعمل مع أبي (أجير طيّان)، وخلال الحرب العالمية الثانية وضمن الظروف القاهرة تضاءلت إلى حد كبير فرص العمل في حرفة الطيّانة فعشنا قساوة الحرمان والجوع. المهم أنني مازلت حتى اليوم أذكر أول كلام سمعته عن الشيوعية والشيوعيين من أحد الأصدقاء في فريق (الفطبول) وكنت أحد أعضائه وأنا في الثالثة عشرة من العمر، سمعته يقول (إن الشيوعيين سوف يوزعون أراضي وأملاك كبار الأغنياء على العمال والفلاحين)، ومنذ ذلك اليوم بدأت كلمة (الشيوعية) تغدو مفهومة شيئا فشيئا وبدأ المشوار، وفي هذا الفريق تعلمت بعض الأناشيد الوطنية والطبقية التي كنا نرددها في بساتين القرية، ومن الأمور اللافتة التي وعيتها تماما في فترة الحرب العالمية ذلك الحماس الذي أبداه والدي نحو الاتحاد السوفييتي، وذلك الكره لهتلر الذي كان الكثير من الناس يبدون إعجابهم به، وفي تلك الفترة على ما أذكر تكوّنت نقابة الطيّانة، وماهي إلا شهور قليلة حتى تركت العمل في البناء، واتجهت إلى العمل في صناعة النسيج بعد أن تعلمت على النول العربي في أحد البيوت، ومن ثم انتقلت للعمل على النول الآلي في معمل (الخيمي) الملاصق لمعمل (الرنكوسي) في المنطقة التي تعرف اليوم بـ(عقدة القابون) حيث كان يعمل الرفاق حسين عاقو ومروان قرة حوا ودياب خسرف، ومنهم كنت أطلع على الأخبار وأتزود بالمعلومات، وكم كان حزني شديدا عندما سمعت باستشهاد الرفيق حسين عاقو وهو يدافع عن الرفاق في مكتب الحزب بحي المزرعة الذي تعرض لهجوم مجموعة من القوى الظلامية عام 1947.
وعندما قام حسني الزعيم بانقلابه العسكري وفرض الأحكام العرفية عام 1949 قمت وأنا مازلت صديقا للحزب بتوزيع عدد من نسخ البيان الذي أصدره الحزب ضد الديكتاتورية العسكرية، وفي العام نفسه أطاح انقلاب جديد قام به سامي الحناوي بحكم الزعيم وقتله، ثم تلاه انقلاب ثالث قام به العقيد أديب الشيشكلي، وبعد عام من حكم الشيشكلي انتظمت في إحدى الفرق الحزبية، وشاركت في المظاهرات التي قادها الحزب ضد الديكتاتورية العسكرية ودفاعا عن حقوق الكادحين وتعرضت للاعتقال ثلاث مرات (وفي هذا الصدد أفاض الرفيق أبو معروف بالحديث عن المظاهرات والإضرابات والنضالات العمالية، وقدم شرحا وافيا ومعلومات غنية عن مجريات تلك الأمور.. تواريخ... أسماء.. وقائع لا يتسع المجال لذكرها في هذا الحيز الضيق، ونأمل أن تجد طريقها إلى النشر في صفحات من تاريخ الحزب)، ولابد من أن أقول وأوضح أن أفضل ما زرعه الحزب ورعاه في نفوسنا هو السلوك الحسن والأخلاق الجيدة: الصدق، الاستقامة، احترام الإنسان والعمل، التواضع والجرأة، والتفاني في سبيل بناء المجتمع بعيدا عن القهر والخوف والظلم والتخلف والاستغلال، وهذا برأيي ما دفع الناس، وبخاصة الجماهير الشعبية للالتفاف حول الحزب بكل ثقة والنضال في سبيل حقوق الشعب والوطن، وهذا مامنح الحزب سمعته ومكانته التي يستحقها والتي نحن اليوم مطالبون باستعادتها وتعزيزها حقيقة حية على أرض الواقع، فهل نفعل؟؟!