حدث في القابون.. وليس في هوليود!

الشارع التجاري في حي القابون، الذي كان في الثمانينات والتسعينات من القرن الماضي من أهم وأشهر أسواق التهريب في دمشق، ورغم ذلك لم يتعرض طوال عقدين من الإتجار العلني بالمهربات من كل الأنواع والأصناف بما فيها تلك المهربات الأكثر خطورة على الأمن الاقتصادي والاجتماعي، لأي مداهمة أمنية مجلجلة و(نارية) بالشكل الذي يمكن أن يرسخ بالذاكرة، هذا الحي وبعد أن أصبح سوقاً تجارياً منظماً، بضائعه مرخصة ونظامية ومجمركة، تعرض بتاريخ 18/1/2007 الساعة الثامنة مساءً، ودون سابق إنذار لمداهمة مسلحة قام بها أكثر من ثلاثين عنصراً من عناصر الشرطة، حضر بعضهم على متن سيارات أجرة عمومية، وجرى إطلاق الرصاص بشكل عشوائي وفي كل الاتجاهات رغم عدم وجود أي شكل من أشكال الممانعة أو العصيان، وتم تكسير بضائع تتجاوز قيمتها عشرات آلاف الليرات السورية وتحطيم واجهات، كما جرى الاعتداء بالضرب على المواطنين مشاةً وأصحاب محلات دونما سبب يذكر..

في كل مرة، وعند حدوث مشكلة يتوضح أكثر من ذي قبل مدى فشل الجهات الأمنية في حل ومعالجة أي مشكلة إذا ترك الأمر برمته لها، وإذا تناسى بعض رجالها أن مهمتهم تنفيذية لا تقبل أي اجتهاد، فلو افترضنا جدلاً كي نكون منصفين، أن الدورية كانت في مهمةٍ للقبض على بعض المطلوبين، أو لمصادرة مهربات قد تكون موجودة في بعض المحلات، فهل يجوز التعامل مع الأهالي بهذا الشكل العدواني، ألا يعلم هؤلاء المداهمون أن دور العامة في مثل هذه الحالة يكون فعالاً وحاسماً في مساعدة قوى الأمن على إنجاز مهتمها، ولطالما قدم الناس خدمات جليلة في هذا الإطار لقوى الأمن رغبة من الجميع في الحفاظ على الاستقرار الذي تنعم به البلاد؟؟ ففي حي شعبي يكتظ بالسكان لا يجوز قطعاً إطلاق الرصاص في كل الاتجاهات من عناصر تشير كل البينات أن قائدهم المباشر (نقيب بالشرطة بدمشق يدعى س. د)، لم يتلق أية أوامر من رؤسائه لارتكاب هذا التجاوز..
عندما توجهنا إلى مكان الحدث صبيحة اليوم التالي للوقوف على حقيقة ما جرى كان الفزع والخوف ما يزال بادياً على وجوه الأهالي نساءً وأطفالاً وشباباً وشيوخاً، وشاهدنا آثار الضرب على بعض المواطنين، وبقايا العبوات الفارغة لطلقات الرصاص التي أطلقتها الدورية الأمنية عند المداهمة، كما لاحظنا آثار الخلع والتكسير التي طالت محلات عدة، وظهرت منذ النظرة الأولى الخسائر الكبيرة بالأدوات الكهربائية التي تضرر بها أصحاب المحلات من تلفزيونات ومراوح ومدافئ وغيرها..
يقول المواطن محمد أحمد الذي يقع منزله بمحاذاة الشارع التجاري: إن عناصر الدورية كانوا يطلقون النار عشوائياً في السوق، وهم يشتمون الناس ويضربون كل من يصادفونه في الطريق، وعندما حاولت الهروب بعيداً عن أزيز الرصاص ضربني أحد عناصر الدورية بأخمص بندقيته، وللحظة، شعرت أني في غزة ولست في سورية بلد الأمان.
أما المواطن مسعود مفلح فقال: ما تزال آثار الرصاص واضحة على بلور محلي، (شاهدنا ذلك بأم العين)، ومن يريد التأكد من الجهات الرسمية من هول ما حدث أنا جاهز للإدلاء بكل ما كنت شاهداً عليه، ولكني أقول لكم كصحافة ولهم كرجال أمن: إننا هنا لسنا أعداء لبلدنا ولا مخربين داخل وطننا ليحصل لنا ما حصل، فبأي حق تقوم تلك الدورية بإطلاق النار علينا داخل محلاتنا، فإذا كان شعار «الشرطة في خدمة الشعب» ما يزال معنمداً فيا لها من خدمة يقدمونها لنا».
ويضيف مسعود نرجو من القائمين على أمن بلدنا الحبيب ردع هؤلاء الذين يسيرون مفسدين في الأرض بحماية القانون / قانونهم الذي لا يرضى به أي ضمير وطني حر.
فوزي علي يقول: لقد ظلوا يطلقون النار أكثر من ربع ساعة بشكل عشوائي، والبعض منهم راحوا يكسرون البضائع الثمينة في المحلات التجارية ويجبرون أصحابها على تركها حتى ظننت أنني لست في سورية!! لقد هدرت كرامتنا وكرامة كل مواطن في هذا السوق، من سيعيد لنا حقنا وكرامتنا ويحاسب هؤلاء ليكونوا عبرة لمن تسول له نفسه التلاعب بأمن وكرامة المواطنين.

- محمود جمعة يقول: أنا صاحب محل لتوزيع الدخان الوطني والمستورد ولست مهرباً، إنهم قاموا بإشهار السلاح عليّ وسلبوني الدخان المستورد النظامي من أمام محلي!
السيدة (م. أ) قالت: ليس من المعقول أن نعيش كل حياتنا برعب، أين نذهب؟؟ نحن لا نملك سوى هذا البيت. في كل مرة يقولون إنهم يبحثون عن مطلوبين، وفي النهاية تقع برأسنا ورأس أولادنا الذين أصبحوا يرون أحلاماً غريبة في منامهم! والمشكلة أنهم لا يحترمون أحداً ولا يفرقون بين الرجال والنساء، شتائم وسباب بكل الألوان.
الطفل محمد قال: تصورت نفسي أشاهد فيلماً على التلفزيون، فلم أتخيل أن الذي يحدث في الأفلام والمسلسلات يمكن أن أراه بالحقيقة.. إنني خفت كثيراً ولكنني مع ذلك بقيت أشاهد الفيلم حتى ينتهي وانظروا ماذا كانت النهاية:
كسر عدة محلات، بما فيها من أجهزة تلفزيون ومراوح وسخانات وأشرطة فيديو وهروب الكثير من الناس شمالاً ويميناً وهم بغاية الخوف..
شكاوى يجب أن تؤخذ بعين الاعتبار

بعد كل ما جرى قام قسم من الأهالي وخاصة أولئك المتضررين بصورة مادية ومعنوية بتقديم شكوى رسمية إلى المحامي العام الأول بدمشق، كما قام وفد منهم بالتوجه إلى وزارة الداخلية، فالتقوا مدير مكتب معاون وزير الداخلية وشرحوا له جميع ملابسات الواقعة، وحسب تأكيد الأهالي فإن مدير مكتب معاون الوزير طلب منهم أن يتحلوا بالحكمة ودعاهم لحل المسألة بشكل ودي!
وكان الأهالي قد أكدوا لنا أن مدير فرع الأمن الجنائي أنكر علمه بما جرى واستنكر حدوثه، وأكد أنه لم يعطِ أوامره للدورية للقيام بهذه المداهمة (الهوليودية) وأن قائد المفرزة قام بما قام به باجتهادٍ شخصي!.
الجميع، ونحن معهم بانتظار فتح تحقيق في الموضوع ومحاسبة المسيئين.

آخر تعديل على السبت, 01 تشرين1/أكتوير 2016 14:57