معاقون، أم ذوو حاجات خاصة؟

من منا ليس ذا حاجة خاصة بشكل أو بآخر؟ بعض الحاجات ظاهر للعيان، كضعف البصر أو انعدامه، وضعف السمع أو انعدامه، فقدُ أحد الأطراف، عدم القدرة على النطق، وغيرها.. والحاجات الأقل ظهوراً تتمثل في صعوبة الإدراك أو صعوبة النطق، التخلف العقلي، لكن أخطرها هو صعوبة التعلم، إذ أن من يعانيها يعتبر «غبياً» ولا ينظر له كفرد يتعلم بطريقته الخاصة، بل كمتخلف لا يجدي التعب معه نفعاً، ولطالما أخفت أسر أطفالها المتخلفين كي تزوج بناتها أو خوفاً من نظرات المجتمع المرتابة أو المشفقة..

كلمة «معاق» التي تغيرت في المصطلحات التربوية، كانت تطلق على أصحاب الحاجات الحركية، وبالتالي على إعاقة في الحركة، غير متضمنة حاجات كثيرة غيرها، وهي تلزم بفهم السامع لها أن صاحبها (غير قادر)، مع أنه قد ثبت أن ذوي الحاجات الحركية يستطيعون الكثير إن استخدموا بطريقة فعالة ما تبقى من أطرافهم، أو وجدت أدوات تساعدهم على ذلك، وأثبت أيضاً أنهم بذكاء لا يختلف عن الأفراد الطبيعيين، بل ربما يزيده في حالات تعددت.
تلزمنا وقفة عند النظرة الاجتماعية لذوي الحاجات الخاصة، كيف بدأت وكيف تطورت.
توصد الأبواب دون ذوي الحاجات، ويحجبون عن المجتمع، فإن خرجوا استغربهم العامة وتساءلوا وتهامسوا حولهم، بالتالي يعودون ليوصدوا أبوابهم طوعاً.
تكمن المشكلة في أن المجتمع لم يعتد على وجودهم، بالتالي يشكلون محور تساؤل يعود عليهم بالحرج فينفون أنفسهم مرة أخرى، وتتوارث المشكلة ولا من حلول، فالطفل إن رأى ضريراً يعبر الشارع، يسأل والدته فتجيبه بعفوية: «يا حرام، إنه لا يستطيع الرؤية» تنتقل الـ (يا حرام) إلى الطفل، ثم إلى الضرير، لتبني حاجزاً بين الطفل وبينه، وبين الضرير ووجوده في المجتمع، فيفضل النفي على الـ (يا حرام).

المشكلة هذه لم توجد في دول عدة من العالم، إذ أن الأطفال جميعهم، بحاجاتهم وطبيعتهم يلعبون في ذات الحديقة، ويذهبون (غالباً) إلى ذات المدرسة، ويأكلون ويشربون في ذات المكان، بالتالي اعتاد الطفل الطبيعي على وجود آخر يحتاج مساعدة، وقد يقدمها هو له، ويعتاد ذو الحاجة الخاصة على طفل طبيعي يلعب معه، ويكلمه دون محاذير أو مخاوف، وسيقبل بالتأكيد المساعدة المقدمة منه.
شرعت سورية منذ ما يقارب 5 أعوام في مشروع يهدف لدمج الأطفال ذوي الحاجات الخاصة في التعليم الابتدائي، محاولة لدمج الطفل ذي الحاجة والطفل الطبيعي اجتماعياً (إذ أن كليهما يحتاجان هذا الدمج)، من جهة أخرى يهدف لتعليم ذوي الحاجات الخاصة، الذين طالما تركوا خارج إطار النظام التعليمي الإلزامي.
افتتح صفان في مدرستين في دمشق لبدء المشروع، وأحدهما في منطقة القصاع، والآخر في أتوستراد المزة، وقد عانى المشروع التجريبي من مشاكل منها:

-1 عدم تفهم أولياء أمور الأطفال الطبيعيين للمشروع، ومخافتهم من أذية أطفالهم الجسدية، وحتى النفسية منها.
-2 عدم تأهيل المبنى المدرسي ليلاءم حاجات بعض الأطفال.
-3 قلة الخبرة في التعامل مع الحاجات.
-4 عدم تقبل المدرسين في فصول الدمج للأطفال ذوي الحاجات الخاصة على العموم دون تخصيص.
-5 إدارة المدرسة في المزة اعتبرت أنه: «كلما بيلاقوا ولد معوق بيجيبولي إياه، شو أنا عندي ملجأ»، بالتالي فالقائم على التنفيذ غير مقتنع تماماً بأهمية وجدوى المشروع.
-6 عدم وجود غرفة مصادر في مدرسة المزة، وقلة موارد ومواد غرفة المصادر في مدرسة القصاع، وغرفة المصادر هي الغرفة التي يرتادها ذوو الحاجات الخاصة لاستكمال ما لم يستطيعوه أثناء الدرس، وذلك بمدرسة مختصة ووسائل تعليمية خاصة جداً، ويجدر بالذكر أن غرفة المصادر في مدرسة القصاع زوّدت بنسبة لا تقل عن 50% من محتوياتها من أولياء أمور ذوي الحاجات الخاصة.

نشير إلى أن الملاحظات السابقة يُعمل على تداركها، لكن لابد من الإشارة إليها، إضافة إلى أنه:
-1 خصص في وزارة التربية مكتبان: الأول يعنى بذوي الحاجات الخاصة والثاني بالمتفوقين، بعد أن كانا مكتباً واحداً.
-2 فُرغ كادر متميز للعمل في مشروع الدمج والتخطيط له ومتابعته.
-3 يتم بشكل دوري إقامة دورات جد متخصصة في هذا المجال، تقدم للمدرسين المعنيين بالمشروع كخطوة أولى، ليصار إلى تعميم المشروع على جميع المدارس.
-4 سيقدم خبراء من خارج القطر لمتابعة المشرفين والقائمين على التنفيذ.
-5 تزامن المشروع مع إطلاق العديد من الحملات والمشاريع ذات الصلة، وبدأ المشروع يثبت جدارته، حيث بتنا نرى أولياء أمور أطفال ذوي حاجات خاصة يتقبلون فكرة أن طفلهم يحتاج شيئاً ما، وأنه ليس عالة وليس (يا حرام).
-6 ظهر اهتمام كبير من المدارس الخاصة بهذا الاتجاه، وازداد عددها ونوعها، وأظهرت تقدماً وتطوراً مع مجمل الحالات التي وردت إليها.
-7 ساعد قانون العمل الجديد على تشغيل ذوي الحاجات الخاصة، مع الإشارة إلى تحفظات كثيرة تنسب إلى القانون، خصوصاً آلية التنفيذ وعدد ونوع الحالات التي تم توظيفها جدياً.

تشير النتائج الأولية بعدما يزيد على 3 سنوات من بدء تطبيق المشروع فعلياً إلى تغير واضح في نظرة الأطفال لبعضهم، وتصالح أولياء أمور الطلاب مع الفكرة (أولياء أمور الطلاب ذوي الحاجات والطلاب الطبيعيين)، وبالتالي خطوة باتجاه تعميم اجتماعي حقيقي، كما أن نتائج متابعة ذوي الحاجات الخاصة تعليمياً قابليتهم للتعلم واستفادتهم الكبرى من المشروع.
لابد من الإشارة إلى أن الأطفال ذوي الحاجات الخاصة يقسمون إلى: غير قابلين للتعلم، وقابلين للتعلم.
والقابلون للتعلم بدورهم هم: قابلون للدمج مع خطة خاصة رديفة، وغير قابلين للدمج بخطة خاصة فردية.

آخر تعديل على السبت, 01 تشرين1/أكتوير 2016 14:56