قاسيون تحاور المحتجين بريف دمشق حول الإصلاحات المطلوبة؟ الإصلاحات الموعودة بين التشكيك والتوجّس والوقت الذي ينفد سريعاً؟
اعتراف النظام بأن مطالب الشعب محقة وسوف تُنفَّذ عما قريب ضمن حزمة واسعة من الإصلاحات، لم تمنع أذرعه الأمنية أن تتابع أسلوبها الكلاسيكي «الخاص» في التعامل مع الاحتجاجات والمظاهرات.. وهذا ما جعل الكثير من المحتجين يشكون في مصداقية وعود ونوايا الإصلاح، مع ميل واضح لدى العديد منهم لتبني فكرة أن النظام لن يمضي لتنفيذ وعوده الإصلاحية إلا تحت الضغط الشعبي، رغم أن قمع الحركة الاحتجاجية الشعبية لم يرجع عليه سوى بالويلات وتفاقم الاحتجاجات وتوسعها أفقياً وعمودياً..
النظام من جهته يصر عبر إعلامه والناطقين باسمه بأنه متجه للإصلاح، وأنه يحتاج إلى الوقت فقط لتنفيذ فصوله المتعددة، وها هو الحوار الوطني على وشك الانطلاق، وها هي مشاريع القوانين تُطرح للنقاش والتشاور، وها هي مسيرات التأييد للإصلاحات تنطلق في العديد من المناطق والمدن..إلخ..
إذاً فالنظام السوري لا يزال يرى في نفسه القدرة على قيادة عملية الإصلاح وإحداث التغييرات المنطقية والضرورية التي ستقود سورية إلى بر الأمان، وتوقف نزف الدماء، وتنقل البلاد والعباد إلى الهدوء والاستقرار بشكل تدريجي، كما كان عليه الأمر قبل انفجار الاحتقان الاجتماعي. والسؤال هنا: هل جاء النظام هذه المرة بعملية إصلاح حقيقية، أم أنه ككل مرة يعمل على تهدئة النفوس والخواطر بالتخدير والتسويف والمماطلة؟ وإذا كان النظام يريد الإصلاح حقاً، فهل الإصلاحات المطروحة كافية؟ وما هي الإصلاحات المطلوبة شعبياً؟ أسئلة طرحتها «قاسيون» على شرائح عمرية وتعليمية وثقافية مختلفة من المحتجين في محافظة ريف دمشق الصارخة بمعظم مناطقها وقراها وبلداتها، فكانت الإجابات على النحو التالي:
آراء متفاوتة.. ومتناقضة
ـ يقول (م. غ) وهو طالب في كلية الشريعة: «نعم، النظام جاد بالإصلاحات بكل معنى الكلمة، لكن للأسف هناك جزء فاعل وقوي في قلب النظام يعمل على الوقوف في وجه هذه الإصلاحات، وهؤلاء الأشخاص في واقع الأمر هم أعداء الوطن وأسس الفتنة، بالتعاون مع العوامل الخارجية طبعاً، أما عن المطالب الشعبية، فأهم مطلب هو الكرامة، فالمواطن السوري لا يُحترَم في مختلف مؤسسات الدولة ومن مختلف ممثلي النظام، الكرامة أولاً، وتحتها تندرج المطالب الاقتصادية».
ـ الشيخ (أ. ح) قال: النظام لم يأتِ بأي إصلاح على أرض الواقع، ولا تزال الأمور قيد الدراسة، وستبقى قيد الدراسة حتى إشعار آخر، وهذا ما عهدناه على مر السنوات السابقة، والمطلب الشعبي واضح وصريح، ولا ينتظر أي إصلاح عملي أو نظري من نظام استخدم القمع الدامي تجاه المطالب المحقة والشرعية التي طالب بها المحتجون في بداية الأحداث، والتي كانت ستجدي نفعاً كبيراً لو استُجيب لها في حينه، أما الآن فالمطلب واضح وصريح: نحن نريد إصلاحاً شاملاً على كافة الصعد، في نظام جديد كلياً، يؤمن بالعدالة الاجتماعية والمساواة، ومحاسبة كل من كان مسؤولاً عن إراقة الدماء، وعن الفساد الموجود على أرض الواقع».
ـ ويقول (م. س) الخبير بالإلكترونيات: «هذا النظام من المستحيل إصلاحه، فهو يمثل الفساد المطلق، وأي شيء مطلق لا يصح إصلاحه، فهذا النظام يسرق البلد ويستغل ثرواتها طوال العقود الماضية، ومن شيم المسؤولين فيه الكذب وتخدير الناس، لذلك فمطلب الشعب واحد لا ثانيَ له: إسقاط هذا النظام بكليته!! فإلى الآن لم يُعطِ هذا النظام وعداً وصدق به، لا توجد مطالب أخرى من نظام لا يعرف حواراً إلا القتل والاعتقال والاغتصاب وسرقة المنازل وتكسير المحال والسيارات، المطلب صريح وواضح: تغيير النظام.
ـ يقول الصحفي (ف. هـ): «الإصلاح بنظر النظام محصور بإنشاء السجون والقيام بالمجازر الميدانية وحرق المحاصيل الزراعية وتكسير السيارات والمحلات، واعتقال الشباب والاعتداء على النساء، لذلك فالإصلاحات المطلوبة تتجلى بتنحي الرئيس عن الحكم وإسقاط النظام حصراً، فلا حوار مع هكذا نظام، نحن نريد دولة ديمقراطية حضارية، وانتخابات حرة نزيهة، بعيدة عن الكذب والمراوغة والابتزاز، والنظام عاجز عن فعل ذلك بصراحة».
الإصلاحات.. والحلول الأمنية.. والاعتقالات
ـ يقول التاجر (ن. ت): «(لا يصلح العطار ما أفسد الدهرُ) فكيف يكون الإصلاح، والحواجز الأمنية منتشرة بعرض الطرقات؟ والسؤال الذي يطرح نفسه: إذا كانت الإصلاحات موجودة فأين هم المعتقلون السياسيون؟ أم أن النظام لا يعرف أن يخلي سبيل سوى المجرمين واللصوص وتجار المخدرات؟ أنا أعتقد أن أهم المطالب الشعبية هي إقامة انتخابات وطنية نزيهة وديمقراطية، وتعديل الدستور، بعد ذلك فليَصِل إلى سدة الحكم من كان جديراً بها فعلاً».
ـ يقول (أ. ي) ماجستير اقتصاد: «لا توجد أية نية لدى النظام في الإصلاح، ولو كان النظام راغباً به لكان قد سحب دباباته ومدرعاته قبل أن يفكر بأي حوار. أما من ناحية المطالب الشعبية فباتت واضحة وضوح الشمس: نحن نريد إيقاف القتل، وإطلاق سراح المعتقلين، وتغيير الدستور، وإيجاد قانون جديد وحقيقي لكل من الإعلام والأحزاب والانتخابات، يضمن الديمقراطية التي ينادي بها الشعب، ومن دون ذلك لا حوار مع هذا النظام».
ـ ويقول (ض. غ) صاحب محل موبايلات: «ربما قد تكون السلطة جادة، فلننتظر، لكن الإصلاحات تحتاج إلى وقت، وهذا الوقت غير متوفر نظراً للتوتر القائم، لذلك يجب الإسراع بها، وأنا برأيي الشخصي كي تستطيع الحكومة أن تنال ثقة الشعب عليها القيام ببعض الأمور التي لا تحتاج إلى تأخير أو نقاش وانتظار، وخصوصاً من حيث الجانب الاقتصادي، مثل تخفيض أسعار المواد النفطية والاستهلاكية مثلاً. هذا دون إغفال الإصلاحات الأخرى».
ـ ويقول الشاب (أ. ت): «أنا أرى أن الحكومة غير جادة بالإصلاح، فالإصلاح كان بالتخريب ورفع الأسعار، فأين الإصلاحات المزعومة؟ مطالب الشباب مهضومة، أنا أهم مطلب عندي هو السكن الشبابي حيث يجب أن يمنح بعد 5 أعوام من التسجيل مثلاً، وليس للأحفاد، وتخفيض أسعار المواد الغذائية الهامة».
خطوات سريعة لبناء الثقة
ـ يقول مهندس الطيران (م. ج): «الوضع السوري يتدهور، وأظن أن النظام لم يعد يمتلك الكثير من الوقت للإصلاح، وأرى أن النظام إذا أراد أن يتجاوز هذه الأزمة العاصفة به حقاً، عليه أن يتخذ خطوتين سريعتين: الخطوة الأولى: إطلاق سراح المساجين السياسيين ومعتقلي الرأي، فلا يمكن للنظام في سورية أن يقي نفسه من عدوى عشق الحرية الذي بدأ يجري في عروق الشعوب العربية، طالما أن هناك المئات أو ربما الآلاف من المعتقلين السياسيين، والذين لم يروا النور لعشرين سنة أو أكثر. الخطوة الثانية: هي أن يحال على التقاعد كل الطاقم القديم من السياسيين ورجال الدولة والأمن، الذين خدموا ومازالوا يخدمون النظام منذ أيام حافظ الأسد، فالسلطة لم تتعلم أن تعالج مطالب الشعب سوى بالقمع والإرهاب، وهذا يتنافى تماماً مع مطالب الشعب بالحرية والكرامة، وهناك ناحية هامة، هي أن على النظام أن يعلم أنه إذا أراد الإصلاح، فيجب أن يكون سلمياً وشاملاً يلبي طموحات الشعب السوري في الفترة الراهنة، وأن يعرف تماماً أن اللجوء إلى العنف والإرهاب والقمع ضد المتظاهرين، لن يؤدي إلا إلى تفاقم الأوضاع، من دون الحصول على مردود بالتهدئة، أو تمكين سورية من اجتياز هذه المرحلة بسلام. وإن ما يقلقني حقاً هو أن تحوَّل المطالب المحقة للشعب السوري بالتغيير والإصلاح والديمقراطية إلى معبر أو جسر يدمر سورية بسبب نفاق وعناد المستفيدين واستغلال النظام».
ـ أما مهندس الكهرباء (أ. ب) فيقول: «النظام غير جاد نهائياً بعملية الإصلاح، والدليل فقدان الثقة بين الشعب والحكومة، فعندما يسيل الدم تنعدم الحلول وتغيب عملية الإصلاح، وإذا كان النظام يريد الإصلاح فالحل واحد لا غير برأيي: وهو القيام بنقل سلمي للسلطة، والكف عن عمليات القتل والتدمير التي يقوم بها، بالإضافة إلى الاعتراف بحقوق المتظاهرين السلميين بالتظاهر دون المساس بهم».
ـ ويقول (أ. س) وهو خياط: «النظام ليس جاداً بعملية الإصلاح، فهو نظام فاسد مبني على النفاق والكذب والقمع والاعتقالات العشوائية والتعدي على أعراض الناس، ولم يقم بأي إصلاح منذ استلام الحكم، فمهمته الشعارات العلنية من جهة، الممارسات السرية المناقضة لها من جهة أخرى، فأي إصلاح هذا الذي يقوم على الاستعانة بالقناصة والشبيحة والدبابات؟ المطلب الوحيد هو إسقاط النظام».
ـ يقول الحاج (ح. س): « لا يمكن للنظام أن يكون جاداً بعملية الإصلاح للأسباب المتعقلة بالإصلاح نفسه، إن عملية الإصلاح تحتاج إلى حوار وطني شامل، معارضة وعوام، قبل مؤيدي النظام، بل إن النظر إلى المعارضين على أنهم مخربون يساهم في هدم الحوار. ثانياً عندما تدعو المعارضة إلى الاجتماع ويقوم بعض هؤلاء المعارضين بإلقاء التهم على المعارضين في الخارج، فهذا يؤكد أن بعضاً منهم مدعو تحت سقف النظام. ثالثاً كيف يكون الإصلاح إن لم يكن المعارضون والمؤيدون مجتمعين تحت سقف الحقوق المتساوية؟ رابعاً لماذا لم تتحقق الإصلاحات المزعومة سابقاً، ولماذا التهميش الدائم للمعارضة. لكن هناك سؤال يطرح نفسه: كيف تريد مني التكلم عن الإصلاح ودماء السوريين تسفك هنا وهناك؟! إذا كان هناك مندسون وسلفيون ومخربون، كما تقول السلطة، فهل تحتاج محاربتها إلى كل هذا العتاد والدبابات والأمن والقناصين ومن يتعامل معهم من عوام الشعب «العواينة»؟ أين كان الأمن قبل هذا المدة؟ وكيف جاء المندسون؟ ومتى دخلوا الأراضي السورية؟ كل هذه أسئلة يطرحها الشعب قبل المطالب».
ليأخذ النظام فرصته ووقته!
ـ الموظف (س. ي) يقول: «لماذا كل هذا التحامل على النظام واتهامه بعدم الرغبة بالإصلاحات؟ النظام أقام الإصلاحات، لقد أقام المدارس المجانية والمشافي والجامعات، وقد وعد بإصلاحات جديدة، فلماذا لا ننتظر؟ ولماذا نحب أن نخرب البلد؟ مطلبي أتمنى على النظام الإسراع في عملية الإصلاح، حتى نحافظ على جمال وأمان واستقرار بلدنا من الذين يرغبون بتدميرها!».
ـ ويقول نجار الموبيليا (أ.س): «النظام ليس جاداُ بعملية الإصلاح، فهو يعطي بيد ويسرق بالأخرى، وعندما يرفع الرواتب مثلاً يقوم برفع أسعار السلع والمواد الاستهلاكية الضرورية، فهو لو فكر بالإصلاح لفكر بذلك منذ أربعين عاماً ولم ينتظر نفسه حتى أوقع البلد في مثل هذه الأزمة، والآن يقول إنه سيعطي المواطنين حقوقهم التي سرقها منذ زمن طويل، فهل فعلاً سيفعل ذلك؟ لا، فهو نظام كاذب وعليه أولاً أن يصلح نفسه، فهل سيحقق الإصلاح حقاً؟ أم أنه يكذب كالعادة؟ بصراحة ليست لدي ثقة بهذا النظام، لكن أتمنى منه البدء بإصلاح الجانب الاقتصادي قبل حدوث الانهيار الاقتصادي، فهل هو قادر على ذلك؟».
ـ ويقول الدكتور (س. م): «يوجد بوادر جديدة توحي بأن الحكومة جادة بالإصلاح، مثل السماح للمعارضة بمنتديات الحوار وعرضها على التلفزيون والإذاعة، مع التضييق الشديد طبعاً، غير أني مع استمرار التظاهر السلمي من أجل الضغط على النظام كي يستمر في الإصلاح، فما حصل من مكاسب حتى الآن لم يكن ليتحقق لولا وجود هذه التظاهرات. أما المطالب الشعبية برأيي فتتمثل بتعديل الدستور وإلغاء المادة الثامنة منه، وإيجاد أسلوب حقيقي وجاد لمكافحة الفساد، إصدار قانون إعلام شفاف، وإصدار قانون عصري للأحزاب، ورفع مستوى المعيشة عند المواطن، وتحقيق عدالة القضاء، وفتح الباب أمام وسائل الإعلام لعرض الرأي والرأي الآخر، ولنحترمه حتى ولو كان معارضاً لنا».
وليس آخراً..
يبدو من خلال الآراء الواردة أعلاه أن معظم المحتجين ما يزالون يشككون بنوايا النظام بالمضي نحو إصلاحات عميقة وجذرية، وهذا بحد ذاته يؤشر إلى ضعف أو انعدام الثقة بين الحركة الاحتجاجية الشعبية وبين الجهات الراغبة بالإصلاح في النظام، وهو ما يعني في نهاية المطاف أن التمايزات في قلب النظام ما تزال غير منظورة شعبياً بصورة واضحة إن كانت موجودة، وفي الوقت نفسه يعني أن الحركة الشعبية ما تزال لا ترى النظام إلا من خلال قواه الأمنية.. ولن تستوي المسألة إلا بتحديد النظام أيهما الأسلم والأفضل والأكثر جدوى لتجاوز الأزمة، السير نحو الإصلاحات، أو الاستمرار بالحل الأمني...