كيف أصبحت شيوعياً؟

 كلما التقيت أحد الرفاق القدامى كلما رنت في أذني كلمات الشاعر:

حزب الجلاء بكل ساح تزدهــي

بك ثورة الوطن الحبيب على الخضوع

أجيالك الموصول حبل جموعهم

خبروا النضال ... فألهبوا عزم الجموع

إني قرأت على العيون شـعارهم

قمم المصاعب تحت أقدام  الشـــيوعي

ضيفنا اليوم من الرفاق بتنظيم (صوت الشعب) وهو الرفيق محمد بن حسين شيخ سليمان.

الرفيق العزيز أبو عمار... حدثنا كيف أصبحت شيوعيا؟.

أنا من مواليد 14حزيران 1927 بدير عطية، والدي كان إنسانا فقيرا طيبا وبسيطا يعمل في البناء، سيق للخدمة العسكرية أيام حرب (السفر برلك) وأسر في معركة الترعة (قناة السويس) بيد الإنكليز توفي في عام 1935ولم بكن في (جيبه) سوى نصف ليرة فقط لا غير. المهم أنني درست حتى الصف الرابع في مدرسة (البروتستانت _الإرسالية الدانماركية) ثم درست الصف الخامس في بلدة (النبك). حصلت على الشهادة بتفوق كبير كوني طالبا مجتهدا جدا، وبعد رحيل أبي قامت أمي بمسؤولية إعالة الأسرة فبنت (تنورا) في ساحة البيت لصنع الخبز لمن يطلب من أهل القرية، وكان عملها مضنيا.. من الفجر حتى الليل لتنام على (آخر نفس) وبخاصة أيام الحرب العالمية الثانية، وقد تركت بدوري المدرسة على مضض، فقد كنت الأوائل على مدارس المنطقة، لأعمل في ورشات البناء بدمشق، وأنقل الأحجار. هذا بخصوص العمل أما بخصوص السياسة فقد كانت البداية على يد ابن عمتي حسن بن مصطفى حديد، الذي كان قد هاجر عام 1924إلى الأرجنتين وهناك انضم إلى الحزب الشيوعي الأرجنتيني، وبعد خمسة أعوام تم إبعاده فعاد إلى الوطن ليسكن قريبا من دارنا لمدة ثلاث سنوات لأن والدتي كانت القريبة الوحيدة من أهله آنذاك فهي التي ترعى شؤونه، وفي أول تلك الفترة انتسبت  إلى صفوف الحزب الشيوعي السوري، ثم سكن في بيتنا ليصير بيتنا - من يومها- بيتا (للحزب وللرفاق) ومنه أخذت براعم وعي السياسي تتفتح، ومن الذكريات التي لن تمحى من ذاكرتي ذكرى الاحتفال الذي أقامته الجمعية الفلاحية عام 1938 وحضره الرفيق نيقولا شاوي، وفيه ألقيت كلمة، وأنا ابن أحد عشر عاما، وفي الصف الخامس في النبك اعتقلت بسبب وشاية للدرك بوجود منشورات بحقيبتي المدرسية كنت سأوصلها بعد الانصراف إلى بيت أحد الرفاق، وبقيت ثلاثة أيام مقيدا بالحبل إلى جانب خيل المستشار الفرنسي للدرك، كما أنني  ما زلت أذكر يوم أوصلت العدد رقم واحد من صحيفة (صوت الشعب) من بريد دير عطية للرفيق المسؤول. وقد انتسبت للحزب في الثالثة عشرة من عمري فكنت أصغر شيوعي بدير عطية، وفي عام 1943استلمت أول بطاقة حزبية لي من الرفيق نجاة قصاب حسن في بيت الرفيق عبيد البطل أبو عبدو، وفي عام 1945 اعتقلت لمشاركتي في فضح التلاعب بأرقام قياسات الأرض الذي مورس في تحديد أراضي صغار الفلاحين لمصلحة بعض الملاكين، مما أثار صراعا في القرية وأدى إلى اعتقال عدد من الرفاق والفلاحين، كذلك حدث اقتحام لدير عطية نفّذه رجال الدرك عام 1946. وجرى اعتقال للكثيرين من الرجال والنساء، وفرضت أتاوات على الفلاحين (مال – طعام –قطع سلاح)، وقد نشرت (صوت الشعب) الكثير عن هذه الأحداث وغيرها، ومما زال حيا في الذاكرة زيارة اثنين من النواب الشيوعيين الفرنسيين لبلدية دير عطية وهما في طريقهما من دمشق إلى حمص (والرفيقان هما جاك غريزا وباريل)، وفي تلك المناسبة بالذات رأيت لأول مرة الرفيق خالد بكداش وكان في السيارة التي أقلت الضيفين إلى حمص، وأتذكر أن أحد الذين شاركوا في الاستقبال كان يعلق على صدره وساما فرنسيا وادعى وهو يحدثهما أنه (اشتراكي) فقال له الرفيق جاك: إن الحكومة الفرنسية لا تعطي وساما إلا لمن يعمل في خدمتها!!!، ومن المناسبات المطبوعة في الذاكرة ذلك الاحتفال الذي أقيم في دير عطية ببيت الرفيق عبد عزيز العجلوني عام 1945 ابتهاجا بانتهاء الحرب العالمية واندحار النازية وانتصار الجيش الأحمر، وقد ألقى فيه الشاعر نجيب جمال الدين قصيدة رائعة. ومما أعتز به من الذكريات ذكرى تعرفي على الرفيق فؤاد قازان عقب الحرب العالمية وذلك في مكتب الحزب بحي المزرعة في دمشق، وهو يحدثنا حديثا حارا عن نشاطه وكفاحه وهو برتبة نقيب في  صفوف المقاومة الوطنية الفرنسية ضد المحتلين الألمان لفرنسا.. أختم حديثي بالقول إن النزاهة في خدمة الشعب والوطن وثباتنا على المبادئ هي سبيلنا الموصل إلى تحقيق دورنا الأساسي الفاعل في حياة ومستقبل بلادنا الغالية.

آخر تعديل على الجمعة, 11 تشرين2/نوفمبر 2016 12:30