على هامش ذكرى أحداث آذار الدامية؟
لن نعود إلى تفاصيل الأحداث المأساوية فقد عبرنا عن الموقف في أكثر من مقالة وبيان أثناء الأحداث، وما بعدها، والذي يمكن تكثيفه بما يلي :
- إن الأحداث في آخر تحليل هي رد فعل على الواقع الاقتصادي والاجتماعي والديمقراطي في المحافظة (بما فيها سياسة التمييز) والشعور بالظلم والمعاناة المريرة في العديد من المجالات..
- إن وجود هذه المقدمات لايعني الإقرار بصحة الاتكاء عليها من بعض العناصر القومية الكردية، والمغالاة في ترويج ثقافة التظلم وصولا إلى توجيه الوعي الاجتماعي إلى مسارات خاطئة، وإطلاق الشعارات الاستفزازية التي تخرج المسألة من إطارها حيث هي موقف من سياسات معينة متبعة من جهاز الدولة، من الحق، لا بل من الواجب النضال ضدها كجزء من النضال الديمقراطي في البلاد إلى تناقض مع الشركاء في الوطن والتاريخ والجغرافية، لتدخل القضية في دائرة الفعل ورد الفعل الأمر الذي تريده القوى الشوفينية داخل جهاز الدولة. فالواقعة وقعت، ومن المفيد بالنسبة للجميع أخذ الدروس والعبر منها، ومن تداعياتها بما يحقق مصلحة كل أبناء الوطن. وفي هذا الإطار نؤكد على جملة حقائق:
- إن الحدث - المشكلة - يهم كل الشعب السوري، ويهم سورية كوطن، وهذا يعني أن الاهتمام بالمسألة ليس شأناً قومياً كردياً، أو شأناً سلطوياً فحسب، بل لها بعدها الوطني الواضح الذي لا يمكن إخفاؤه أو التستر عليه، وبناء عليه فإن أية معالجة للأحداث من حيث أسبابها ونتائجها وتداعياتها، يجب ألا تخرج عن الإطار الوطني والمصلحة الوطنية، وهذه الأخيرة لاتعبر عنها بكل تأكيد سياسة التمييز والتهميش والتطبيش، والقبضة الأمنية والإدمان على الاعتقال، ولا المؤتمرات التي تعقد في مجلس الشيوخ الفرنسي، والكونغرس الأمريكي، أو بطبع القبلات الحارة على وجنة الديمقراطي الطارئ عبد الحليم خدام، ولا بالمناحات القومية على هذه الفضائية أو تلك. إن هذه العقلية وتلك تخرجان المشكلة عن إطارها الوطني، وتدفعان إلى المزيد من التعقيد وخلط الأوراق بغض النظر عن النيات..
- ضرورة تجاوز ازدواجية الخطاب، والمفارقة بين القول والفعل، وإطلاق الوعود الكثيرة التي لا تجد طريقا إلى الممارسة... فهل من العقلاني والمنطقي أن تبقى مشكلة الإحصاء مثلا دون حل بعد الإقرار بوجودها، والتوصية بحلها، وترويج خطاب نقيض في الأروقة الرسمية يتهم جزءا من النسيج الوطني، وبلغة تعميمية – باللاوطنية؟؟ وهل من المنطقي أيضا الادعاء بالنسب إلى يوسف العظمة و«ديبو شاشو» و«بيا ندور» من جهة، والرقص على إيقاع دربكة الفوضى الخلاقة من جهة أخرى؟؟
- إن منطقة شرق المتوسط (ومنها بلدنا سورية) لم تشهد استقرارا خلال فترات تاريخية طويلة، ورغم المآسي المزمنة التي نتجت عن ذلك، حدث تمازج في المصالح الاستراتيجية لجميع شعوب المنطقة، لدرجة لايمكن تجاهلها أو القفز من فوقها، وبغض النظر عن الدخول في معمعة التواريخ والأرقام فإن الواقع الموضوعي يؤكد وجود الكرد والسريان والأرمن إلى جانب اخوتهم العرب...وهذا التعدد من الممكن أن يكون عامل إغناء وقوة للكيان الوطني، ولتطور شعوب المنطقة جميعها، أو عامل تصدع لها. وتبين التجربة التاريخية أنه من غير المجدي الاتكاء على أوهام قوة السلطة في إلغاء أحد، أو النظر إلى حقائق الواقع من خلال خرم إبرة الفكر القومي الضيق المطعّم بالفساد، أو الأنا القومية المتورمة نتيجة حقنه بهرمون عصر الديمقراطية وحقوق الإنسان المزعوم الذي لم يتمخض عنه سوى المزيد من الحروب، والدماء، والفقر والأوبئة في بقاع الأرض المختلفة..
- إن الظرف السياسي للموضوع قيد البحث له أهمية استثنائية، إذا توخينا التحليل العلمي، وعدم الانسياق وراء تفاهة الموقف اليومي، فتزامنه مع مرحلة إثارة الفتن، وافتعال الصراعات الوهمية كمقدمة لضرب الكيانات الوطنية في إطار إستراتيجية قوى الهيمنة العالمية، يجعل شكل التعامل الصحيح مع الموقف أحد مؤشرات المصداقية الوطنية لأي كان. ومن هنا فإن ذكرى الأحداث الدامية يجب أن تكون مناسبة لمعالجة الأسباب العميقة الكامنة خلفها، وفي الوقت نفسه قطعاً لدابر كل موقف يخرج القضية عن بعدها الوطني السوري..
■ القامشلي – مكتب قاسيون