جرافات وحفارات المحافظة قريباً في شارع الملك فيصل الأثري
«إيكوشار» الاسم المشؤوم والسيف المسلط على مدينة دمشق القديمة وأهلها، وصاحب المخطط الكارثي الذي حمل في طياته تغيير الطابع العمراني المميز لدمشق القديمة كي تصبح نسخة مستنسخة من العواصم الأسمنتية ذات الكتل البيتونية الضخمة عديمة الروح والإحساس في عالم الهمبرغر والوجبات السريعة على الطريقة الأمريكية.
إن هذا الاسم عاد للحضور مجددا،ً وسياسة قضم دمشق القديمة والعبث فيها والتخريب التي بدأت منذ زمن، والبناء الضخم في ساحة المرجة المسمى مجمع يلبغا، كل ذلك خير شاهد على المأساة.
كان السادة المحافظون الذين تعاقبوا على منصب محافظ مدينة دمشق يرون بأم أعينهم كيف تعمل الجرافات في خاصرة المدينة القديمة، حيث تسحب المضخات المياه من حوض المدينة دون أن يحركوا ساكناً، إذ تفجرت الينابيع القديمة في هذه المنطقة، أي أن الطبيعة تدخلت معبرة عن تاريخ نسيناه ألا وهو أن هذه المنطقة هي مقر ينابيع الحوض الأخفض من بردى في دمشق، ورغم ذلك استمر المشروع لسنوات عديدة واستمرت المياه بالتدفق أمام أعين الجميع.
بعد هدم سوق الشيخ سعد في منطقة المزة وضعت المحافظة رحال آلياتها في منطقة سوق القرماني، وتتجه الآن رياح المحافظة نحو شارع الملك فيصل الذي سيصبح عما قريب المحطة الأكثر جدلاً وصعوبة، لضخامة المشروع والمساحات التي سيطالها الهدم، ولجهة الآلاف من المتضررين من عمال وتجار وسكان، حيث الجميع في حالة ترقب واستنفار لما ستؤول إليه هذه المشكلة.
القرار9417 لا يقيم وزناً لدمشق القديمة
فمنذ صدور القرار 9417 تاريخ 2522007 عن محافظة دمشق والناس خائفون على مصيرهم ومصير ممتلكاتهم، وبات واضحاً أن المخطط التنظيمي لمحافظة دمشق رقم 440 يستهدف تعديل الصفة العمرانية لمنطقة استملاكات شارع الملك فيصل وتحويلها حتماً من منطقة تجارية إلى منطقة سياحية وخدمية وساحات وحدائق عامة.
ورغم خوف الأهالي من أن تبادر المحافظة بين لحظة وأخرى في ارسال عتادها من جرافات وغيرها للبدء بهذا المشروع الجهنمي إلا أنهم لم يقطعوا الأمل كلياً، على أمل فتح طاقة في الجدار الذي يفصل بينهم وبين محافظة دمشق مما يحول دون متابعتها اتخاذ القرارات بهذا الخصوص، فبشهادة الجميع الكل خاسر عند تنفيذ المشروع، والتعويضات لن تكون عادلة، أي ستكون هناك انعكاسات سلبية لايمكن معالجتها بسهولة.
غرفة تجارة دمشق والوعود الكثيرة
حضر وفد من تجار شارع الملك فيصل إلى غرفة تجارة دمشق بتاريخ 522007 واجتمعوا برئيسها د. راتب الشلاح شارحين له استملاك الدولة لمحلاتهم ومتاجرهم وعدد من المنازل المشمولة بقرار المحافظة، فكان رد رئيس الغرفة بأن تكون المطالب ضمن الحدود المعقولة، وأضاف مستعدون لكل خدمة تريدونها.
المحافظ والقيادة القطرية والصحف على علم بالمأساة
وزار وفد من تجار السوق محافظة دمشق لشرح أبعاد هذا القرار وتم لقاء عدد من نواب دمشق قبل انتهاء ولايتهم، وكذلك الجهات الحزبية، وبالأخص القيادة القطرية لحزب البعث العربي الاشتراكي، ورغم كل هذه التحركات لازالت المشكلة عند نقطة الصفر وليس هناك من مجيب لكل هذه النداءات.
وفي 1232007 توجه وفد من المتضررين إلى جريدة الثورة لشرح المشكلة وتوضيحها وطلب مساعدة الجريدة.
مدير مركز التراث العالمي حريص على آثار دمشق أكثر من محافظة دمشق
أكد السيد فرانشيسكو باندران مدير مركز التراث العالمي عبر رسائله إلى السيد رياض نعسان آغا وزير الثقافة على ضرورة تشخيص حل بديل للحل المقترح من المحافظة حيث يقول «لأن حماية موقع التراث العالمي بدمشق لا يقتصر على المدينة داخل السور وإنما يمتد إلى مجموع المنطقة المجاورة وسواء كان مشروع الطريق خارج الأسوار لا يمكن أن يتجنب إطلاقا التأثير الكبير جداً على المدينة القديمة ويمكن أن يؤثر على قيمتها كتراث»
مديرية الآثار لا حول لها ولاقوة
وتقول مديرية الآثار بأنها غير قادرة على التدخل في في موضوع السوق والمخطط التنظيمي لمحافظة دمشق وهي تتعاطف مع المتضررين بهذا المشروع ومحتارة من تصنيفات محافظة دمشق للأسواق والمناطق القديمة في دمشق بين ما هو مصنف «أثري أوعتيق» ومن المعلوم أن هذا التصنيف يساعد على إزالة ما هو عتيق وإبقاء ما هو اثري والعاملون في مديرية الآثار عاجزون عن وقف مثل هذا المشروع وكلمتهم ليس لها صدى في آذان المسؤولين لذلك لابد للأهالي من التحرك لدى جهات أخرى لها كلمتها بهذا الخصوص .
مشروع من هذا القبيل تنفيذه ضرب من الجنون
يبدو أن هذه الأسواق التاريخية في شارع الملك فيصل في طريقها إلى الانقراض وإذا كان منظر سوق الحدادين والسكابين والنحاسين وسوق المناخلية القديمة مؤذيا لعيون البعض كان بالإمكان اتخاذ إجراءات أخرى لتحسين السوق من الناحية الجمالية وإبقاء السوق في مكانه، حتى لوتم شق الطريق المطلوب لحل الاختناقات المرورية كما يدعون، أما أن يشق طريق بعرض 35م وبطول 1,4كم فهذا جنون في منطقة أثرية قديمة في وسط دمشق.
ويبدو إن المشروع جار، وسيصل المزة بالبحصة ثم السنجقدار باتجاه باب توما إلى المتحلق حيث تؤكد مصادر المحافظة إن التنفيذ سيطال مناطق باب السلام والجوزة, والعمارة البرانية, مسجد الأقصاب, القيمرية, والبحصة والسنجقدار والمرحلة الأخيرة هي كشف الأبواب العمارة الفراديس الفرج وباب السلام.
وتقول مصادر المحافظة بأنها خصصت قطعة من الأرض في منطقة المعضمية لتعويض الأهالي، وتدعي بأنها غير ملزمة أصلاً تجاه جميع المتضررين من مالكين وشاغلين في السوق.
وأكد المتضررون من جهتهم بأن قطعة الأرض التي يتكلمون عنها وينوون نقلنا إليها غير صالحة أصلا للبناء فهي من جهة لاتكفي لتعويض جميع المتضررين ومن ناحية أخرى تقع ضمن منطقة خطر التوتر العالي للكهرباء في منطقة المعضمية، وأخيراً كيف للمتضرر الذي خسر محلا يقدر بالملايين أن يعوض بمحل خارج المدينة لايساوي قروشاً .
ويقتضي الإنصاف تعويض المتضررين بشكل عادل إذا مااستمرت المحافظة قُدماً في مشروعها هذا الذي سيدمر حتما النسيج العمراني المتميز لمدينة دمشق القديمة لذا يجب الوصول إلى حل مرض لجميع أصحاب الأملاك والشاغلين في هذه المنطقة قبل أن يقع الفأس بالرأس، ويخسر أبناء المنطقة جنى العمر كله على أنغام أوركسترا جرافات وحفارات محافظة مدينة دمشق التي تعرف طريقها جيدا للتنفيذ، وسبق لها أن جرفت حي زقاق الصخر بأكمله ليصبح اليوم فندق الفور سيزن لصاحبه حضرة الأمير وشركائه الـ....
ويبدو أن الرأسمال الخليجي يسن أسنانه أيضاً على هذا المشروع الجديد في شارع الملك فيصل للحصول على بعض الاستثمارات التي سيتم إنشاؤها على جانبي الطريق الذي سيتم شقه على حساب مدينة دمشق وأهلها وعمارتها الموغلة في القدم .
يقول السيد عبد الفتاح أياسو مدير التخطيط العمراني في المحافظة: إن التعديل المطلوب هو إزالة التعديات عن جانبي النهر أي بردى، والاستفادة من الفراغ الحاصل لمد طريق يربط البحصة بساحة باب توما ثم المتحلق الجنوبي، ويتابع اياسو قوله وتحويل طرفي النهر ضمن الإمكانات المتاحة إلى متنزهات وجلسات شعبية وتأهيل كامل المنطقة عبر ربط شرق المدينة بغربها دون أن يمس شارع الملك فيصل .
وهنا نسأل: كيف لجرافات المحافظة أن تقوم بهدم السوق القديم دون أن تمس شارع الملك فيصل، إن التصريحات المتناقضة في الفترة الأخيرة حول طبيعة الطبخة التي باتت معروفة لهذا السوق تتصاعد ويمكن إزالة هذا السوق عن بكرة أبيه بين ليلة وضحاها .
إذا كانت عيون المستثمرين الخليجيين على هذه المنطقة على حساب لقمة فئة كبيرة من أبناء شعبنا نقول: فليذهب المستثمر وأمواله إلى الجحيم .
لأن من حق أبناء هذه المنطقة البقاء داخل منطقتهم التي عاشوا وترعرعوا وعملوا فيها طوال عشرات السنين إن سلخهم عن منطقتهم وبيئتهم جريمة لا تغتفر.
نتمنى ألا تنجح الأمية العقارية في عزل التاريخ
وتقول الدكتورة نادية خوست "لايغيب عنا أن مشروع اوتستراد الملك فيصل مشروع عقاري يوزع ما يستملكه على محاضر ومقاسم لفئة أخرى لذلك اجتمعت المصلحة الوطنية العليا لمدينة دمشق التاريخية بمصالح هؤلاء المهددين ظلماً والتقت بمعيار عالمي يحذر من شق المدن التاريخية بطرق السيارات واستقدام الزحمة اليها ."
وتقول"نتمنى ألا تنجح الأمية العقارية في عزل التاريخ.....".
كانت قاسيون على موعد مع أهالي وتجار شارع الملك فيصل لمعرفة المزيد من المشاكل التي ستنجم عن قرار المحافظة العجول الذي يرفض الحلول المنطقية، ويحرم الأهالي من التعويضات المناسبة. وظهر ذلك عبر اللقاءات التي تؤكد على الغبن والضرر الكبير الذي سيلحق بالجميع.
لأبناء السوق كلمتهم وهم يترقبون أية خطوة تساعدهم في حل مشكلتهم، يقول المهندس عرفان الطباع :
طرقنا جميع الأبواب لأجل الوصول الى حل مرض لقضيتنا، ولم نلق حتى اليوم أي بادرة إيجابية، أعتقد أن للصحافة دورها في أن تعرض قضيتنا للرأي العام، ولا نرضى بأي حال من الأحوال أن يأتي مستثمر خليجي ليستثمر على حسابنا، ونحن أولاد البلد أولى بهذا الاستثمار، فبأي حق يتم إخراجنا من السوق ليحل محلنا هؤلاء. إذا نفذ المشروع سيصاب العديد من أبناء السوق بأمراض لاحصر لها، بالمختصر يريدون إفلاسنا وتحويلنا إلى باعة متجولين في شوارع دمشق .
ويتابع الطباع قوله بأن محافظة دمشق كانت تؤكد باستمرار أن هذه المنطقة سوف لن تمس، لأنها أثرية ووضعت العديد من اللوحات التي تشير إلى حماية هذه المنطقة كونها أثرية .
يقول أيمن السمان، لسنا في دمشق الحديثة نحن في دمشق القديمة التي عاش فيها آباؤنا وأجدادنا، وإذا كانوا يريدون بناء الأبراج والفنادق فليخرجوا بعيدا عن هذه المناطق الأثرية التي هي ملك لنا ولأولادنا لأن أبنيتهم ومخططهم الحديث تتناقض مع حياتنا ونسيجنا الاجتماعي والمعماري في دمشق القديمة .
يقول أحد أصحاب المحلات بأن المنطقة قديمة وأثرية وعمرها يتجاوز 300 سنة وهذا مدون في مديرية الآثار حيث تعود آثارها إلى العهد المملوكي، و تقدر قيمة أغلب المحلات التجارية بالملايين، والمحافظة تتحدث عن تعويض بخس وفي منطقة بعيدة تسمى المعضمية، نقول للجميع هذا السوق دمشقي مئة في المئة أما أن نبقى تحت رحمة المحافظة حتى تعوضنا التعويض العادل سننتظر طويلا وعندها سنصبح في الشارع.
ويضيف عدنان الكاشف لدينا جميع الأوراق التي تثبت ملكيتنا فلماذا تدعي المحافظة بالقول بأننا لانملك مايثبت حقنا أعتقد أن هناك الكثير من اللف والدوران لقضم حقوقنا وإخراجنا من محلاتنا .
أحمد ثمانية عشر عاما يدير محله بعد وفاة والده يقول: هل يعقل أن يقضوا على مصدر الرزق الوحيد لي ولأخوتي لماذا لايأتي السيد المحافظ ويتجول في السوق كي يرى معاناتنا.؟!
السيد مصطفى شعيب: ورثت هذا المحل من أهلي وما تقوم به المحافظة اليوم عبارة عن تشليح، بصراحة دفعت كل ما أملك لأجل فروغ هذا المحل ولست مستعدا أبدا للتخلي عن حقي .
هل حانت ساعة الصفر؟
السيد مهاب السمان عمل في السعودية لسنوات طويلة ووضع تحويشة العمر كله في محله وهو اليوم مهدد بخسارة كبيرة قد تعيده إلى نقطة الصفر ويقول: لم أسمع للنصائح التي تدفعني للبقاء في السعودية، وقررت العودة إلى البلد والعمل في هذا السوق لكنني اليوم لاأعلم ماذا سيحصل لي عند تنفيذ مشروع محافظة دمشق لكن كل ماأتمناه هو إبقاء كل هذه المناطق القديمة في دمشق على حالها أو أن يحصل كل متضرر على كامل حقوقه دون نقصان ولامنة من أحد .
إن الأمور باتت صعبة جدا والمحافظة على استعداد للانطلاق في أي لحظة للانقضاض على شارع الملك فيصل وتسويته بالأرض، مهددة ببلدروزاتها وآلياتها التي تنتظر الإيعاز وإعلان ساعة الصفر .
■ ابراهيم نمر
عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.