كيف أصبحت شيوعياً

ضيف هذا العدد هو الرفيق شحادة عيد جنيد... الرفيق المحترم أبو عيد حدثنا كيف أصبحت شيوعيا؟

أولاً أودّ القول: إنني أعتبر هذه اللقاءات التي تجرونها مع الرفاق من خلال زاوية (كيف أصبحت شيوعيا) عملا جيدا ومفيدا, وأجد فيها إضاءات هامة لجوانب مختلفة من تجارب غنية عاشها الرفاق بحلاوتها ومرارتها واقعا حيا, وبالنسبة لي فأنا من مواليد قلعة جندل قرب قطنا بريف دمشق عام 1936. درست المرحلة الابتدائية وقسما من المرحلة الإعدادية بمدارس قطنا, وذهبت إلى دمشق لأتابع دراستي وأنال الشهادة المتوسطة عام 1953، والبكالوريا من مدرسة الآسية عام 1956، ثم نلت أهلية التعليم وصرت معلما, وتابعت دراستي الجامعية وتخرجت من قسم التاريخ بجامعة دمشق عام 1964، لأصبح مدرسا لمادة التاريخ في كل من مدينة القنيطرة وقطنا ودمشق.

أنا من عائلة فلاحية فقيرة، انتسبت للحزب الشيوعي عام 1952 وأنا في الصف الثامن بعد تعرفي على الشيوعية بواسطة أستاذين هما: الشاعر شوقي بغدادي، والكاتب سعيد حورانية، وكانا مدرسين للغة العربية بإعدادية قطنا, وكذلك عن طريق شقيق زوجة والدي الشيوعي المخلص والمعروف الرفيق فايز سعد, لقد شدني إلى الحزب الوضع الطبقي القاسي, فلقد وجدت في الانتساب للحزب استجابة لطموح الشباب لتغيير الأوضاع لمصلحة الكادحين, وجذبتني السمعة الرائعة للاشتراكية وقوة الاتحاد السوفياتي والصين الشعبية وبناء مجتمعين كريمين متقدمين بعد حالة الفقر والأمية والعبودية, يضاف إلى ذلك طموحي كشاب في أن أرى بلدي متحررا فعلا من الاستعمار وأعوانه, وحينها كانت سورية تخضع لدكتاتورية أديب الشيشكلي, كما كانت المنطقة كلها محط أطماع الامبرياليين الساعين مجددا لاحتلالها. وفي عام 1954 وبعد زوال الحكم الديكتاتوري تمّ إجراء انتخابات بإشراف حكومة حيادية, تلك الانتخابات التي جرت قبل أكثر من خمسين عاما والتي اتسمت بالديمقراطية والحرية والنزاهة ,لا نرى مثيلا لها فيما نراه اليوم من(انتخابات), وفيها فاز الأمين العام للحزب الشيوعي السوري الرفيق خالد بكداش بالمرتبة الثانية من الأصوات بعد خالد العظم, وحدث انفراج في الحياة السياسية, وقد شاركت بجميع النشاطات الحزبية والوطنية والطبقية وفي عام 1957 كنت عضوا نشيطا في الحزب, وعند قيام الوحدة كان للشيوعيين رأي وموقف واضح يؤيد قيام اتحاد بين مصر وسورية, لكن القوى المتنفذة بالجيش والحكم كانت مستعجلة لقيام وحدة فورية (للخلاص من بعبع موهوم هو بزعمهم سقوط سورية بأحضان الشيوعية), وجرت مطالبة الحزب بحل نفسه، فرفضت قيادة الحزب الطلب وقالت: ليس في الحزب هيئة أو أحد يملك حل الحزب, وكانت الحملة الشرسة المشهورة على الشيوعيين, وفي عهد الانفصال 1961 وكذلك بعد الثامن من آذار 1963، تعرضنا للملاحقة, وفي عام 1966 كنت أمين سر للجنة الدفاع عن الوطن أيام نور الدين الأتاسي، وبعد تأسيس الجبهة الوطنية التقدمية التي شارك فيها حزبنا أصبحت عضوا في القيادة الفرعية للجبهة, وبقيت فيها رغم نقلي لأسباب سياسية من التعليم إلى وزارة التموين, وقد أوفدت فيما بعد إلى معهد التخطيط ونلت الدبلوم الخاص بتخطيط التجارتين الداخلية والخارجية بدرجة امتياز, وغدوت مدرسا لمادة التسويق في المعهد المذكور, وبقيت عضوا في القيادة الفرعية للجبهة حتى عام 1980حيث اعتقلت بسبب توزيع بيان التجمع الوطني الديمقراطي الذي دعا لإرساء حياة ديمقراطية تعددية بشكل سلمي, وصادف ذلك مع ارتفاع وتيرة العنف والقتل التي قامت بها (طليعة الإخوان المسلمين) بدعم باقي أطراف الإخوان, وقد سجنت لمدة أربع سنوات بسجن (كفر سوسة) وأربع سنوات بسجن (تدمر) وسبع سنوات بسجن (صيدنايا), ثم أطلق سراحي بإسقاط الدعوى ضدي بالتقادم عام 1994.

وأستطيع تلخيص تجربتي الطويلة المريرة بثلاثة أمور:

1- ضرورة توحيد جميع القوى لمجابهة المخطط الأمريكي الصهيوني الغاشم الهادف لتحويل منطقة الشرق الأوسط الجديد لمنطقة خراب ودمار وتفتيت, وأساس الصمود في وجه هذا المخطط يكون بنشر ثقافة المقاومة والممانعة الشاملة ضد جميع الأعداء المتربصين بوطننا.

2- إطلاق الحريات الديمقراطية وإلغاء الأحكام العرفية ورفع قانون الطوارئ, وإصدار قانون عصري للأحزاب وللانتخابات.

3- بناء اقتصاد وطني حديث ومتطور يحقق العدالة الاجتماعية ويكون أساسا لقوة الوطن وخير ومصلحة جماهير الشعب.

وأرى في هذه الأمور الثلاثة قواسم مشتركة تستقطب ليس الشيوعيين وحدهم, وإنما سائر قوى الشعب الحية في وطننا, وأشكركم على هذا اللقاء.

آخر تعديل على الإثنين, 14 تشرين2/نوفمبر 2016 11:46