اللجان النقابية في الشركات الإنشائية: أجور العمال أولاً

بدأت الكثير من المكاتب النقابية بعقد اجتماعات بين أعضائها وأعضاء اللجان النقابية، وهدف هذه الاجتماعات استكشاف ما يجري داخل الشركات، وتحديد القضايا الإنتاجية والعمالية، والسبل الكفيلة بتحقيق المطالب العمالية التي تحاول الكثير من الإدارات في الشركات الإنشائية القفز فوقها، وحرمان العمال من حقوقهم، كتخفيض قيمة اللباس السنوي، أو تحديد قيمة المعالجة الطبية للعامل الواحد خلال عام كامل بـ /2000 ل.س/، ولكن الأهم في هذه الاجتماعات الجارية هو ما تطرحه اللجان النقابية حول التأخر في صرف أجور العمال

حيث تستمر بعض الشركات في التأخر بدفع الأجور لشهر أو شهرين أو أكثر، وهذا التأخر في دفع أجور العمال مرده كما تدعي الإدارات عدم وجود سيولة مالية، وجبهات عمل كافية تؤمن استمرار عمل الشركات ودفع أجور عمالها، وهناك تخوف حقيقي لدى اللجان النقابية والعمال بأن لا تدفع الإدارات أجور العمال لأكثر من ثلاثة أشهر بسبب نهاية العام المالي، مما يعني المزيد من الفقر والحرمان للعمال، فضلاً عن تحميلهم مسؤولية تردي أوضاعهم المعيشية، حيث تدَّعي الإدارات أن العمال لا يقومون بما هو متوجب عليهم من مهام كزيادة الإنتاج والحفاظ على الآليات من خلال إصلاحها وصيانتها، متناسيةً بأن مصلحة العمال الفعلية هي زيادة الإنتاج والحفاظ على أدواته، لأنها مصدر أجورهم.

 ويبقى السؤال: هل تقوم الإدارات بواجبها تجاه الإنتاج والعمال؟!

الإجابة على هذا السؤال نجدها لدى العمال واللجان النقابية، حيث جاء في تقرير مؤتمر الفرقة الحزبية لشركة قاسيون لعام 2008 الملاحظات التالية :

- تناقص الخبرات الفنية بالشركة (مهندسين، مساعدي مهندسين، فنيين، معلمي مهن مختلفة) وذلك بسبب نقل بعض هذه الخبرات إلى خارج ملاك الشركة: (منهم عمال «فائضون»، وعمال يملكون خبرات فنية مهمة هاجروا إلى القطاع الخاص بسبب عدم استقرار وضعهم المادي والمعنوي في شركاتهم، خاصةً بعد صدور مرسوم دمج الشركات الإنشائية).

- صعوبة تأمين رواتب العاملين بسبب ضعف السيولة المادية وعدم تسديد حسمياتها (قروض مصرفية، مؤسسات استهلاكية، اشتراكات التأمينات الاجتماعية وخدماتها، اشتراكات نقابة العمال...إلخ)، والسبب في ذلك إنفاق مبالغ كبيرة على صيانة معظم الآليات لانتهاء عمرها الزمني وعدم جدواها اقتصادياً.

-عدم تأمين مستلزمات الأمن الصناعي والسلامة المهنية في الفروع التابعة لمجال عمل الفرقة، بسبب عدم توفر السيولة، مما أدى إلى إرباك في العمل لدى العمال المهنيين.

ووردت في ورقة اللجنة النقابية لعمال الشركة العامة للبناء الملاحظات التالية:

- عدم تسديد الرواتب والأجور في حينها.

- عدم تسديد قيمة الوصفات الطبية وأذونات السفر.

- عدم تثبيت العمال المؤقتين.

- استعمال الضغط والقمع والتنكيل مع العمال.

 ومن خلال ما استعرضنا نجد أن مسؤولية تردي أوضاع الشركات والعمال تقع على عاتق الحكومة، من خلال سياساتها تجاه آلية عمل الشركات الإنشائية، وتركها دون دعم حقيقي يؤمن لها الآلات الضرورية التي تحقق إنتاجية عالية وتخفض التكاليف، بدلاً من الآلات المستعملة ذات الإنتاجية المنخفضة والتي تكلف ملايين الليرات السورية لإصلاحها، مما يزيد التكاليف والخسائر بالأموال والزمن. بالإضافة إلى أن الحكومة لم تطبِّق قراراها بتأمين جبهات عمل للشركات، وتلزيم العديد من المشاريع للقطاع الخاص، مما يفقد هذه الشركات دورها الإنمائي، وإمكانية مساهمتها في عمليات البناء، وقدرتها على دفع أجور العمال، مما يدفع الإدارات لاتخاذ إجراءات لا تخدم مصلحة الشركات في الاستمرار والتطور، وكذلك لا تخدم استمرار العمال في أداء واجبهم تجاه العمل، حيث تلجأ الإدارات كما أوضحت اللجان النقابية إلى اعتبار الكثير من العمال عمالاً فائضين، وكذلك تراوغ بتثبيت العمال المؤقتين، فتفقد هذه الشركات كوادرها المؤهلة والمدربة من مهندسين وعمال مهنيين، وهم الذين ساهموا في مراحل سابقة بتنفيذ الكثير من المشاريع الهامة والكبيرة، ويجري اليوم (تطفيشهم) باتجاه القطاع الخاص.

نلاحظ مما طرحناه مدى ضرورة استمرار اللقاء مع الكوادر النقابية في الشركات، وضرورة أن تشمل هذه اللقاءات العمال في مواقعهم وشركاتهم، لأنهم الأقدر على معرفة واقعهم ومعاناتهم، وذلك يعزز العلاقة بين العمال والحركة النقابية، وهذا ما أكدت عليه اللجان النقابية، بضرورة أن تتيح القيادات النقابية للعمال التعبير بحرية عن مواقفهم وآرائهم في المؤتمرات النقابية القادمة، وبوجود مدراء الشركات والوزراء (إن حضروا) وعدم منعهم من ذلك تحت حجج مختلفة، وبذلك تساهم القيادات النقابية في إبراز الصوت العمالي دون وساطة، وهو الصوت الحريص على مصالح الوطن لأنها مصالحه أولاً وأخيراً.