على طريق «وحدة الشيوعيين السوريين»

تراءى للكثيرين، إثر انهيار الاتحاد السوفييتي والمعسكر الاشتراكي، أن ألوية النصر قد انعقدت نهائياً للرأسمالية، ولن تقوم لأي حزب شيوعي قائمة بعد الآن. وروج البعض لفكرة أن نظرية الاشتراكية العلمية نفسها مصابة بعطب في بنيتها الأساسية، ولا يقتصر الأمر على وجود أخطاء في الممارسة والتطبيق، فما الذي تكشف بعد مرور أكثر من خمسة عشر عاماً على هذا الانهيار...؟

لقد تلمست الشعوب في مختلف أرجاء الأرض، أن الرأسمالية، وخاصة في مرحلتها الاحتكارية والعولمية المتوحشة، لا تحمل لها إلا الإفقار المتزايد والحروب والنهب، وهي غير قادرة على حل مشاكل البشرية.كما بدأ الفكر الاشتراكي يستعيد جاذبيته لدى جماهير الكادحين في العالم، وأعادت معظم الأحزاب الشيوعية والعمالية والاشتراكية تنظيم صفوفها، وأجرى كثير منها التجديد والمراجعة اللازمتين في برنامج وأساليب عمله، وسجل نجاحات هامة. كما أمكن وقف الزحف العدواني الأمريكي أو التصدي الناجح له في أكثر من بقعة على الأرض ومنها وطننا العربي.
إن الشيوعيين السوريين الذين يتابعون تطورات الوضع في الحركة الشيوعية الدولية ويهمهم إحياؤها وإعادة اللحمة إليها وفق الظروف الحالية الملموسة، يعتقدون أن من أولى واجباتهم في هذا المجال، هو إعادة توحيد صفوفهم بالطرق المبدئية والواقعية معاً.
إن تفتت الحركة الشيوعية السورية وانقسامها إلى عدد من الأحزاب والفصائل، قد جلب الكثير من المآسي لها، وتعدى ذلك إلى إلحاق أفدح الأضرار بالحركة الوطنية السورية، وبحركة الجماهير الشعبية نفسها، التي كانت تجد في الشيوعيين أداة نضالية في الدفاع عن مصالحها وأوضاعها المعيشية، وعن حقوقها الديمقراطية.
لقد تدنى مستوى العلاقات بين الفصائل الشيوعية إلى أدنى درجة، وهذا ما يتنافى مع الروح اللينينية في التنظيم، ومع المستوى الحضاري الذي يجب أن ترتفع إليه العلاقات ليس بين الشيوعيين فقط، بل بين كل الوطنيين والتقدميين أيضاً. وبدلاً من البحث عن سبل التقارب والتعاون بين الشيوعيين وأحزابهم وفصائلهم، على أساس الحد الأدنى المشترك على الأقل، فقد انهمكوا في البحث عن نقاط الاختلاف، ومن ثم تعميقها وتجذيرها، وإيجاد سند ومرجعية لها في أدبيات الماركسية اللينينية، وكان ذلك يتمّ بطرق لا تنم دائماً عن الموضوعية والترفع عن الذات. ولا يعني ذلك أنه لا يمكن أن يوجد بين الشيوعيين أية خلافات، وأنهم معصومون عنها ماداموا يمتلكون نظرية علمية وثورية واحدة. لقد برهنت الحياة عكس ذلك، كما برهنت على إمكانية تفسير وتطبيق النظرية في الواقع، بصور وأشكال واجتهادات مختلفة، حسب الظروف والخصائص الموضوعية، وحسب الواقع والزمان والمكان. وهذا برأينا هو من صميم التطبيق الخلاق للماركسية اللينينية.
لكن كل ذلك شيء، وإمكانية التعامل مع هذه الاختلافات والخلافات بصورة رفاقية وحوارية شيء آخر. كما كان بالإمكان الحرص على إيجاد طرق متعددة لاحترام التنوع في إطار الوحدة بطرائق مبدئية، تحوله كما هو بالأصل، إلى مادة لإغناء الفكر واستيعاب مفرزات الواقع الموضوعي المتجدد مع المحافظة على الثوابت المبدئية، ودون الوقوع في مستنقع الارتداد اليميني المعادي للفكر الماركسي والاشتراكي، وتجنب الجمود العقائدي والتزمت الفكري المنافي لتطور الحياة.
والآن، وفي هذه الظروف بالذات، إذ تستميت الإمبريالية في سعيها لتحقيق الانتصار النهائي على الاشتراكية، والهيمنة على شعوب العالم، والقضاء على حركات التحرر ومنها حركة التحرر الوطني العربية، وعلى الرفض السوري لهذه الهيمنة، يشعر الشيوعيون السوريون أن واجبهم في الانخراط المتزايد بهذه المعركة يزداد أكثر فأكثر، والمسؤوليات التي يحمّلهم إياها الشعب السوري تصبح أكبر فأكبر، وفي آخر الأمر فإن أداء الواجب الوطني والوقوف بوجه هجمة الرأسمال الطفيلي على حقوق الفقراء، خاصة في هذه الظروف الدقيقة، هو معيار الإخلاص والأمانة للفكر الاشتراكي والتقدمي.
كان حزبنا قد أعلن منذ مدة طويلة، أن ملف الانقسامات في الحركة الشيوعية السورية يجب طيه، كما أن مساراً جديداً يجب أن يسلكه الشيوعيون السوريون وهو الحوار والتعاون والتقارب فيما بينهم على طريق الوحدة، وهو الطريق الذي تجسد في حزبنا عملياً من خلال تجربتين توحيديتين في عام 1986 وعام 1991، واللتين أثبتتا ليس إمكانية التوحيد بين فصيلين أو أكثر فحسب، بل ضرورته أيضاً. وأتى المؤتمر العاشر لحزبنا المنعقد في صيف العام الماضي ليؤكد على أهمية توحيد الشيوعيين السوريين ويدعو إليها.
لا نقصد من كل ذلك، القفز فوق الخلافات الموجودة بين الشيوعيين وتجاهلها لدوافع عاطفية. ولا نقصد أيضاً افتعال خطوات قد لا يكون أوانها قد حل بعد، فلكل مرحلة متطلبات، ولها قدرات وإمكانات. إنما نريد القول إن المرحلة الحالية تحتمل إجراء خطوات جادة على طريق الحوار المنظم بين مختلف الفصائل الشيوعية حول العديد من القضايا الفكرية والسياسية والاقتصادية والاجتماعية والتنظيمية سعياً وراء نقاط التلاقي والاتفاق، كما تحتمل هذه المرحلة أيضاً البدء بالقيام بأعمال مشتركة وتعاون مشترك منظم في شتى القضايا التي تهم الشعب والوطن. وسيكون لتحقيق هاتين الخطوتين الأثر البالغ في إشاعة جو من الارتياح في صفوف الشيوعيين على مختلف فصائلهم وأوضاعهم التنظيمية، وفي صفوف الجماهير الشعبية التي ما تزال تتطلع إلى الشيوعيين بأمل، وبين القوى الوطنية والتقدمية أيضاً. كما سيكون للنجاح في تطبيق هاتين الخطوتين أثر إيجابي كبير في فتح الطريق وتعبيده أمام خطوات أخرى باتجاه توحيد جميع الشيوعيين السوريين، وفي تعاون وتقارب قوى اليسار كافة.

■ النور- 302 - 25/7/2007

• حنين نمر
الأمين الأول للحزب الشيوعي السوري