كيف أصبحت شيوعياً

 ضيفنا لهذا العدد الرفيق الشاعر رياض أبو جمرة.. الرفيق المحترم رياض كيف أصبحت شيوعيا؟.
«بداية اسمحوا لي بهذه المقدمة..

إذا كان صحيحا قولهم: إن العواطف تفيض بين جوانح الشاعر، وإن القوافي ترتعش في خفقات قلبه، فتمتد أمام ناظريه مساحات الإبداع والخلق الفني المضمخ بالأمل، فإن الأصح حقا وصدقاً، هو أن ما يبذله المناضلون من عطاءات وتضحيات، هو الذي يصنع الواقع ويعطيه الحياة الدافقة بالخير والحق والأمن والسلام )، ومن هذا المنطلق يمكنني القول: إنني تابعت كل ما كتب في زاوية «كيف أصبحت شيوعيا»، وكنت أقرأ في ذلك صفحات من تاريخ حزبنا الشيوعي السوري عبر نماذج من سير بعض أعضائه الذين شاركوا برسم خطوط مساره المشرف على مدى عقود وعقود، وهذا ما يجعلني أتردد في الحديث عن نفسي، فأين أنا ممن ألهبوا الساحات بعظيم نضالهم، وبذلوا عرقهم ودمهم ليشقوا أمامنا الدرب وليمهدوا لنا مساره؟ وعلى كل حال فليس أمامي إلا أن أجيب عن سؤالكم، وكما هو معروف للجميع، فإن الإنسان يكتسب مداركه ووعيه من البيئة التي تحيط به، ومدخلها الأساس هو الأسرة، ومن أسرتي استقيت المبادئ الأولى لحب الناس والوطن، فنما لدي شعور وطني دافق، فلا عجب أن يكون حب الوطن هو ما شدني أولاً وقبل أي شيء آخر إلى صفوف الحزب.
أنا من مواليد عام 1939 في قرية (ذيبين) التابعة للسويداء في جبل العرب، أبي كان يعمل في تجارة الحبوب، درست في مدرسة القرية، وحصلت على الشهادة الابتدائية عام 1950، ثم انتقلت إلى دمشق لأتابع المرحلة الإعدادية في مدرسة الآسية، ونلت شهادتها عام 54-55، ودرست الثانوية في مدرسة الميدان وجودت الهاشمي وحصلت على شهادة البكالوريا الفرع الأدبي عام 1958، وتابعت الدراسة الجامعية ثقافة عامة لمدة سنة ثم تعرضت لمرض شديد حال بيني وبين متابعة التحصيل فتركت الدراسة مرغما ودخلت المستشفى.
أول تعرفي على الشيوعية كان عن طريق إخوتي الأكبر مني الذين كانوا يقرؤون الجرائد والمجلات الشيوعية، وكذلك الكتب التي تتحدث عن الاشتراكية والعدالة الاجتماعية وعن الاستعمار والاستغلال وعن النضال في سبيل الحرية والانعتاق، ومن خلال جو مدرسة الآسية المفعم بالروح الوطنية والأفكار الاشتراكية، وكان من أساتذتي الرفيق المحبوب جورج عويشق، وعن طريق طالب شاب كان معي في ثانوية الميدان هو الرفيق عبد الرحمن عسّة الذي رشحني لدخول الحزب  لأصبح شيوعيا، كما كنت متأثرا بتاريخ الثورة السورية الكبرى وبشعارها الرائع (الدين لله والوطن للجميع)، وكنت متأثرا بشخصية المجاهد الوطني الكبير الشيخ محمد الأشمر الحائز على جائزة لينين للسلام، وقد كنت أنظم الشعر منذ المرحلة الإعدادية، وأول قصيدة نشرتها في جريدة النصر عام 1959 كانت عن عيد الجلاء، والثانية في جريدة ألف باء وكانت عن الثورة الجزائرية، ثم تابعت الكتابة في موضوعات وجدانية ووطنية. وفي عام 1984 نشرت أول مجموعة شعرية بعنوان (اسمعوا صلاتي)، ولدي اليوم عدة مجموعات شعرية تنتظر أن تأخذ طريقها إلى النشر، وقد قدمت عدداً من الأمسيات الشعرية في المركز الثقافي السوفييتي، وألقيت العديد من القصائد في الاحتفالات الوطنية التي أقامها الحزب بالمناسبات الوطنية والطبقية وغيرها، ونشرت قصائد كثيرة في مجلة الطليعة ودراسات اشتراكية وفي صحيفة قاسيون، ومن الشعراء الذين تأثرت بهم الشاعر عبد الوهاب البياتي الذي تابعت كل ما نشره من قصائد، وبخاصة في مجلة الثقافة الوطنية التي كانت تصدر في لبنان، وبخصوص الذكريات، فمن أجملها فرحتي الكبرى بإعلان تأميم قناة السويس على يد جمال عبد الناصر، ومشاركتي في كل المظاهرات التي قام بها الطلاب في مدرسة الآسية وجودت الهاشمي ضد حلف بغداد والمؤامرات الاستعمارية على بلادنا، وقد اشتركت بمعسكرات الفتوة وتدربت على استعمال السلاح، وحتى اليوم أتذكر الهتافات التي كنا نرددها ومنها: بالفتوة نقضي على إسرائيل بالقوة.
وكما قلت فإن الوطن بالنسبة لي أغلى شيء، والشعب أثمن رأسمال، ولهذا فأنا أهيب بكل الوطنيين على اختلاف انتماءاتهم ومشاربهم أن يوحدوا صفوفهم للدفاع عن كرامة الوطن والمواطن، وأنا مؤمن بأن الفكر العلمي الاشتراكي سيبقى هو رائد النضال في تاريخ البشرية المعاصر، لذلك أناشد الشيوعيين في التنظيمات كافة، ومن تركوا التنظيم لأسباب نعرفها جميعنا، أن يعملوا صادقين ليستعيد حزب الجلاء.. حزب الوطنية الحقة والأممية الحقة دوره المشرف وسط الجماهير وفي صفوفها الأولى، وأجد من واجبي أن أحيي جميع من يعملون لوحدة الشيوعيين السوريين لتشد عضد الوطنيين وتشد بهم عضدها، واسمحوا لي أن أختم حديثي بمقطع شعري على لسان فدائية لبنانية:
ظلمات الليل غيبي/ واتركيني صامده/ حجر من حجر ينمو/ ودنيا واعده/ إنها الحرية الحمراء فوق المائده/ يتشهاها جياع الناس خمرا رائده/ عصرت من غضب الموج/ ومن برق السماء الراعده/ فاتركيني صامدة»..