أين الرقابة على اللحوم الفاسدة؟

مع الارتفاع الجنوني لأسعار اللحوم، زاد استعصاء أحد أحلام الفقراء على التحقيق، وهو الحصول على كيلو غرام من اللحم. ولأن جيوبهم فارغة فعليهم الاكتفاء بالرائحة..

لكن بعض هؤلاء مدقعي الفقر لا يستطيعون مقاومة رائحة الشواء دائماً، وما انفكوا تاريخياً يستحضرون مقولة – النار تطهر كل شيء- ويتجهون إلى محل «أبو حسين» بائع اللحوم الفاسدة الذي ظل يتاجر بها منذ أكثر من عشرين عاماً، ثم سار على نهجه الورثة..

في الآونة الأخيرة نشط الإتجار بالمواشي النافقة، وصار لدينا مئات مثل «أبو حسين».. فاليوم، يوجد العديد من السماسرة والتجار ممن ينشطون في تسويق اللحوم الفاسدة، في ظل غياب شبه تام للرقابة على الأسواق ومحال بيع هذه اللحوم، مستفيدين من نقص الكوادر الرقابية الشريفة، وضعف إعداد العاملين في مديرية التجارة الداخلية، وتواطؤ البعض من حماة المستهلكين المعنيين بقمع هذه المخالفات، بل الجرائم المرتكبة بحق المواطنين، نظراً لخطورة هذه اللحوم على صحة الإنسان، والمضاعفات اللاحقة على الاقتصاد الوطني، واستنزاف موارده لعلاج الآثار المترتبة جراء استهلاك هذه اللحوم.

كيف لا يتاجر الفاسدون بهذه السلع الخطرة طالما أن معدل الربح فيها يفوق 300 بالمائة؟ فـ«ليس ثمة جريمة لا يجازف بارتكابها الساعون وراء الأرباح الفاحشة».. (المناضل الانكليزي دانينغ /قرن 19)

يرى البعض أن جزءاً من هذه اللحوم يدخل إلى الأسواق عبر بعض المتعهدين المتعاقدين مع المؤسسة العامة للمباقر، عبر استجرار رؤوس الأبقار المريضة الصالحة للاستهلاك البشري، إذ يقوم هؤلاء المتعهدون من خلال طرق ملتوية، أي بالاتفاق مع تجار الماشية النافقة وبتغطية من بعض الأطباء البيطريين، بشراء هذه المواشي ونقلها في وضح النهار، حيث تقدم على الموائد الفاخرة في المطاعم ذات النجوم الخمس، وهذه الرؤوس المريضة أو النافقة تباع وتشترى بصرف النظر عن نوع الإصابة أو سبب النفوق، سواء كان اليرقان أو الأنواع المختلفة من الحمى والأمراض السارية، فلا مشكلة عند المتاجرين بها حتى لو كانت مصابة بداء الكلب، وهناك تجار يتعاطون هذا الصنف من التجارة قاموا بتوزيع أرقام هواتفهم على الأطباء البيطريين وبعض العاملين كسماسرة، فلقاء كل اتصال يقوم به هؤلاء السماسرة يتقاضون 500 - 1500 ل.س، حسب حجم الحيوان النافق ومقدار العرض، والمطلوب من المتصل تحديد نوع الحيوان ومكان النفوق فقط!!

لا شيء يدعو للاستغراب إزاء العمولة المدفوعة لقاء مجرد اتصال، إذا علمنا أن التاجر يشتري الحيوان النافق والمريض الذي قد يصل وزنه إلى أكثر من 700كغ  بمبلغ زهيد لا يتجاوز عشرة آلاف ليرة سورية ليبيعه بعشرات الآلاف من الليرات!!.

قد يظن البعض ممن يقرؤون هذه الكلمات، أن المحال التي تبيع هذه اللحوم بعيدة عن الأنظار، أو تنشط في أماكن سرية، وهذا غير صحيح، فهي منتشرة في قرى وبلدات محافظة حماة على الطرق العامة والرئيسية، وهي معروفة من الجميع، وربما يعرفها أكثر من سواهم بعض الأطباء البشريين المسوولين عن دوائر هامة في مديرية الصحة في المحافظة.