كيف أصبحت شيوعياً
ضيفنا لهذا العدد هو الرفيق الطبيب حنا بن برصوم حنا من الرفاق بتنظيم (النور).
رفيقنا المحترم كيف أصبحت شيوعياً؟.
أنا من مواليد الحسكة عام 1939، والدي برصوم كان عامل نسيج يدوي ثم آلي.. درست الابتدائية بمدرسة ابن الرومي بدمشق، ونلت شهادتها عام 1950، ودرست الإعدادية بثانوية الآسية وحصلت على الشهادة المتوسطة عام 1955، وعلى البكالوريا من الثانوية الأهلية عام 1958، ثم تابعت الدراسة في بلغاريا بكلية الطب، وتخرجت فيها بدرجة امتياز عام 1965، وعدت إلى الوطن وأديت الخدمة العسكرية ثم أديت خدمة الريف في بلدة المالكية، وبعدها سافرت ثانية إلى بلغاريا للتخصص بعلاج الأمراض العصبية وبعد التخرج عام 1974 عدت للوطن، ومنذ ذلك التاريخ إلى يومنا هذا وأنا أمارس عملي كطبيب في هذه العيادة.
أما عن تعرفي على الفكر الشيوعي، فيعود بالفعل لكوني من منبت عمالي عانى ما عاناه من ظلم طبقي قاس.. وأول ما سمعته عن الشيوعية هو أنها تعطي للفقراء حقوقهم وتلغي الاستغلال والظلم الاجتماعي، ومن ثم بدأت بقراءة الكراسات والكتب التي تتحدث عن مفهوم الاشتراكية وما يطبق في الاتحاد السوفيتي والبلدان الاشتراكية، وهذا ما شدني للالتقاء بالشباب الشيوعيين في حارة باب توما، وبالتحديد مع الرفيق يعقوب كرو الذي يعود له الفضل بانتسابي للحزب الشيوعي السوري، وكذلك الرفاق يوسف نمر وجوزيف أبيض وبطرس أبو شعر، وانتظمت بفرقة في مكان سكني ربيع عام 1954، ثم كان النشاط الحزبي والطلابي، وأذكر جيدا تلك الأيام الحافلة بالمد الوطني العارم، وقد شاركت بمظاهرات الطلاب التي كانت تنادي بتطبيق نظام الفتوة، وتحقق الطلب والتحقت بأول معسكر للفتوة في معسكرات قطنا، وكان قائد المعسكر الضابط برهان قصاب حسن. وعندما حشدت تركيا جيشها على حدودنا الشمالية، شاركت مع آلاف الشباب بحفر الخنادق والتدرب على السلاح (المقاومة الشعبية)، كما أتذكر جيداً كل المظاهرات الوطنية ضد الأحلاف العسكرية الاستعمارية وعلى رأسها حلف بغداد.
وخلال انتخابات عام 1957 ساهمت بنشاط كبير في تأييد المرشح الوطني رياض المالكي الذي فاز نائباً عن دمشق، وكم كنت أشعر بسعادة غامرة وأنا أحضر بعض جلسات البرلمان وأستمع لكلمات الرفيق خالد بكداش دفاعاً عن الكادحين والفقراء ودفاعاً عن الوطن الغالي.. وللحقيقة أقول: إن النضالات الطلابية على كثرتها لم تبعدنا عن الدراسة الجدية والنجاح بدرجات عالية كوننا ندرك أهمية النجاح والتفوق بالنسبة للشيوعيين.
قامت الوحدة السورية المصرية وأنا أدرس في بلغاريا على نفقتي الخاصة، وعملت لأوفر تكاليف الإقامة والدراسة في مجلة بلغاريا الجديدة باللغة العربية، كما عملت مترجما، ثم مذيعا براديو صوفيا، وحصلت على المنحة الدراسية نتيجة لنجاحي بالسنتين الأولى والثانية بامتياز..
في عهد الوحدة أصدرت الحكومة قرارا بإسقاط الجنسية عنا نحن - الطلاب الدارسين في الدول الاشتراكية- لأننا لم نستجب لدعوتها لنا بترك الدراسة والعودة لندرس في جامعات مصر. واليوم أستطيع القول وبكل صدق إن الغالبية العظمى من الطلاب الشيوعيين في جامعات الدول الاشتراكية كانوا من المثابرين والدارسين بجدية وهمة كبيرة للحصول على الشهادات العلمية للعودة وخدمة الوطن، وهذا ليس غريبا، فلقد علمنا الحزب حب الوطن والشعب والتفاني بخدمتهما.
ومنذ أوائل الثمانينات انخرطت بالعمل النقابي لأطباء دمشق، ثم بالنقابة المركزية، حيث أسهمت قدر استطاعتي في العمل لتحسين ونجاح النقابة وبخاصة في المجال المطلبي بجوانبه كافةً.
أما فيما يتعلق بوضع الشيوعيين الراهن، فإن الألم والحزن والأسف الشديد يملأ نفسي لما حصل لحزبنا المجيد من تشرذم وضعف وانقسامات أبعدته عن جماهيره الواسعة، وأبعدتها عنه، في الوقت الذي نحن فيه بأمس الحاجة أن يكون حزبنا قوياً معافى وملتحماً مع القوى الوطنية داخل وخارج الجبهة، وأرى من واجبي اليوم أن أشد على يد كل من يسعى لتحقيق وحدة الشيوعيين السوريين، ولاسيما في هذا الظرف الخطير الذي يتعرض فيه الوطن للتهديدات الخطيرة المتمثلة بالمخطط الامبريالي الأمريكي الصهيوني الهادف لإركاع سورية لهيمنة (القطب الواحد). ولن أكشف سراً أنني ومنذ بداية (الانقسامات) سعيت ما بوسعي لتبقى علاقات الرفاق الذين أعمل معهم- رغم تعدد الفصائل- علاقات رفاقية، ومثال على ذلك التعاون الذي جمعنا ونحن نعمل بالإدارة المحلية في مجلس محافظة مدينة دمشق في بدايات التسعينات وكنا سبعة: (الرفيقة جمي لة حيدر والرفيق محروس شيخ الشباب وأنا من فصيل الرفيق يوسف فيصل، والرفيقة هيفاء بغدادي والرفيق سعيد اليافي والرفيق محمد علي طه من فصيل الرفيق خالد بكداش، والرفيق عبد الوهاب ظاظا من فصيل الرفيق مراد يوسف)، ولن أدخل في التفاصيل، ويكفي أن أقول: إن ما يجمعنا أكثر مما يفرقنا (وهذا ما تعيه اليوم الغالبية العظمى من الرفاق داخل التنظيمات وخارجها).. أليس يجمعنا المصير الواحد المشترك؟!!