حين تُفقد الثقة
إن المجتمعات تقوم – بلا شك – على مجموعة من الروابط، فيما بين الأفراد من جهة بعضهم مع بعض، ومن جهة أخرى بينهم وبين المؤسسات والشخصيات الاعتبارية، فمن مجموع هؤلاء يتكوّن المجتمع، الحضاري منه والمتخلف، بلا خلاف. أما تميُّز الحضاري من المجتمعات عن غيره فإنما يكون بعمق هذه الروابط ومتانتها، والصدق في التعامل والتحلي بروح المسؤولية، إلى غير ذلك من الصفات الاجتماعية العالية.
ولكني أتساءل عن نوع الرابطة في مجتمعنا أو في دولتنا الصغيرة، بين المواطن والموظف، فلم يعد أحد يشك أن العلاقة بينهما تتجاذب بين مستويين أدناه البغض الشديد والاحتقار، وأعلاه ما يعبر عنه المثل الشعبي: «اليد التي لا تقدر عليها قبلها وادعُ عليها».
فالحقيقة التي أدركناها جميعاً أن الثقة فُقدت بكل موظف، فنحن نعلم أنه لا يعمل لخدمتنا، ولا حتى لخدمة إدارته، وبلده بالمحصلة، وإنما يعمل فقط لخدمة ذاته، فلن يُقدم لك ما تمليه عليه واجباته الوظيفية، إلا إن نال الإكرامية، بل العجيب أنها تحولت من إكرامية إلى حقّ لابد منه ودون خجل.
منذ فترة كان لي ورقة في نفوس الميدان، وطبعاً كالعادة، تململت الموظفة مني حين لم أُظهر لها«الحق الطبيعي»!! وعندها أشار إليَّ مواطن من خلفي ملوحاً بـ (100 ل.س)، وحيث أني أُدرك الوضع وللأسف، فقد أخرجت من جيبي «الحق الطبيعي» بكل خجل وأنا أحاول ألا يراني أحد، ولم أعرف كيف سأعطيها للموظفة.. أأضعها في الدرج؟ أم ألامس يدها الناعمة لا سمح الله؟ أم أضعها بين الأوراق كما يفعل سائقو السيارات؟؟ وهنا كانت دهشتي، فقد رأتني الموظفة اللطيفة متحيراً خجلاً، فما كانت إلا أن صرخت بوجهي «إي هات خلصنا، شبك خايف»! عندها فقط أدركت أني ربما أعيش في مكان آخر أو زمان مختلف وخطر في بالي السؤال المنطقي:
إلى أية درجة وصلت العلاقات الاجتماعية والروابط بيننا؟ تُرى، هل نحتاج إلى محللين اجتماعيين ليعطونا الجواب؟!!.
وهنا نقول: حين تُفقد الثقة! فماذا بعد؟؟.
■ محمد عصام زغلول