بدء موسم حرائق الغابات..
بحريق «الصقلية»، الذي التهم بضعة كيلو مترات من الغابات في ريف حماة، يبدأ موسم حرائق الغابات في سورية لهذا العام، ليعيد إلى الذاكرة حريق شطحة الهائل، بحسرة وألم، لضياع منطقة حراجية من أجمل الغابات في سورية، تلك التي لم تكن ترى أرضها الشمس، لكثافة الأشجار المتسابقة للعلا، والتي كان، في ظلها، يتوقف الزمن، ويزهر الوجه المتكدر، وتطرب النفس اخضراراً، لتنعم بالتكامل والتناغم مع الطبيعة.
فالمنطقة الحراجية الممتدة من مصياف جنوباً، إلى حدود إدلب شمالاً، ومن سهل الغاب شرقاً، إلى حدود غابات اللاذقية غرباً، هي الأكثف والأجمل، ومساحتها 38 ألف هكتار، من الحراج الطبيعية والاصطناعية، لا تملك مراكز وقاية الغابات من الحرائق، وليس فيها سوى ثلاث إطفائيات نظامية، بالإضافة إلى عشرة صهاريج تعمل في مجال سقاية الغراس نهاراً، ويتم تحويلها إلى إطفائيات ليلاًً. ومع دخول موسم الحرائق، يُطلب تأمين مزيد من الإطفائيات، بالإضافة إلى عمال إطفاء وحراسة، نظراً لعدم التناسب بين مساحة الغابات، والتجهيزات المادية والبشرية. فعناصر الحراسة، تعد على أصابع اليد الواحدة، وهم ليسو مجهزين بأي نوع من السلاح، لحماية أنفسهم من الوحوش الضارية، ولا بأية معدات، لحماية الغابات من المخربين، مشعلي الحرائق، كما أنه من المفترض أن يكونوا مجهزين بشبكة اتصالات هاتفية، تصلهم مع مراكز حماية الغابات، وهذا غير متوفر حالياً، ولم يتوفر لهم في الماضي.
إن الوقاية من الحرائق، تتطلب العمل على ما يلي:
*العمل على توعية المواطنين، لأهمية الغابات والحراج، وفوائدها وانعكاساتها على البيئة والمجتمع، من خلال حملات التوعية الاجتماعية (حملات التسويق الاجتماعية)، إذ يُلاحَظَ التقصير الشديد في هذا المجال، بل خلو وسائل الإعلام كافة من الإعلانات الاجتماعية، الخاصة بوقاية الغابات من الحرائق، في وقت ازدحامها، وخاصة الرسمية منها، لانشغالها بأشكال من الدعاية البعيدة عن قضايا المجتمع، والتي لا تهم سوى أصحابها.
* تزويد المنطقة برادارات، وأبراج مراقبة إلكترونية، تؤمن السرعة القصوى لكشف موقع الحريق والوصول إليه، وربما تساعد في القبض على الفاعلين .
* تزويد مراكز حماية الغابات، بطائرات قادرة على تعبئة المياه ذاتياً، من المسطحات المائية.
* زيادة، بل ومضاعفة عناصر الحراسة وعمال الإطفاء، بما يتناسب مع هذه المنطقة الحراجية وكثافة أشجارها، وشدة انحدار سفوحها وتضاريسها الوعرة المسالك.
* حل مشكلة طابو العقارات ، المتاخمة للغابات أو الموجودة ضمنها، وللعلم، فإن معظم هذه العقارات، يعود تطويبها إلى الربع الأول من القرن الفائت، وحصر الإرث يكلف صاحب هذا العقار من أتعاب محاماة وضرائب، أكثر من قيمة العقار ذاته، لذا يقوم أصحاب العقارات بإشعال الحرائق، وهذا ما حصل في حالات كثيرة للحصول على مساحة أرض يبنى عليها منزلاً.
* سوء إدارة الأزمات والكوارث الطبيعية، فلقد تبين عدم وجود خطط وتدريبات على إدارة الكوارث، وكما يقول أحد الخبراء في هذا المجال: إن التعامل مع الحرائق هو معركة، كالمعارك الحربية، لن تستطيع الانتصار على اللهب وتطويق الحريق، إذا لم تكن مجهزاً مادياً أولاً، ومتسلحاً بالمعرفة النظرية في إدارة الحرائق ثانياً. (وحريق شطحة مثال حي)، إذ ثبت أن التعامل الرديء وقلة الخبرة وسوء إدارة هذا الحريق، قد زاد من الخسائر والأضرار.
يذكر أن الحريق الأخير في الصقلية، تم قياس مساحة انتشاره على أنها 1500 دونم، وذلك بشكل مسطح دون حساب الأودية والانحدارات والسفوح الجبلية، والحقيقة أنه بحساب واقع التضاريس الفعلي، تكون النتيجة أكبر من ذلك بكثير، وتصل حتى 3500 دونم تقريباً.
هناك حاجة فعلية إلى المعرفة العلمية، وحسن التعامل مع التجهيزات التقنية، فقد كان لسوء إدارة هذه الكارثة، التأثير الأكبر في امتداد النيران والتهامها لمساحات حراجية، كان بالإمكان السيطرة عليها، وزاد من سوء الأحوال استبعاد أهل الخبرة والعارفين بطبيعة المكان ومناخه.
كما أننا علمنا من مصادر موثوقة، أن البعض ممن استبعدوا عن إدارة هذه الكارثة، هم من أهل المكان، وقد خبروا المنطقة، وعرفوا شعابها مترا مترا. استبعدوا كي لا يشعر من هم أعلى منهم مرتبة دراسية، ولا نقول علمية، أنهم لا يفقهون في الأمر شيئاً!! وبذلك تمت التضحية بالغابة.
والمستغرب أنه حتى الآن لم تظهر أية نتائج عن أسباب هذا الحريق، أو عن الفاعلين. كما أنه لم يتوسع التحقيق ليشمل المقصرين ومحاسبتهم، ممن كانوا على رأس إدارة الكارثة ومساءلتهم عن سوء إدارتهم، وصولا إلى التقييم والاستفادة من هذه التجربة للوقاية من كوارث لاحقة.
■ يامن طوبر