فلاحو الغاب في موسم حصاد القمح: «منه العوض وعليه العوض»!!
من المعروف أن موسم الأمطار هذا العام جاء متأخراً، ومترافقاً في بعض الأحيان مع رياح شديدة، وهذا ما أثر سلباً على حقول القمح الموشكة على النضوج، حيث أن غزارة الأمطار وشدة الرياح أدتا إلى الإضرار بكثير من الحقول، فمالت سيقان القمح، وأصبحت السنابل بجوار تربة الحقل، وكما يقول الخبراء: إن زيادة نسبة الرطوبة أدى إلى إصابة حبات القمح بالفطور التي تظهر على سطح حبة القمح بلون أحمر (أي القمح مصاب)، وهكذا فإن الطبيعة، بالإضافة لسوء البذار، أوصلا الموسم إلى الكارثة.
وجاء موسم الحصاد، وبدأ الفلاحون بتوريد أقماحهم إلى مراكز استلام الحبوب، ولكن مراكز الاستلام رفضت استلام الأقماح، بسبب الإصابة المذكورة سابقاً، حيث كان الرفض اليومي يتجاوز 70 ـ 80% من الأقماح الموردة إلى مركزي السقيلبية وقلعة المضيق. ودامت هذه الحالة لأسبوعين متتاليين، علماً أن موسم الحصاد برمته، منذ بدايته وحتى تسليم آخر حبة قمح، هو بحدود الستة أسابيع، وهنا برز الأبطال (الدون كيشوتيون) المنقذون للفلاحين، ونعني التجار المتربصين والمهيئين لمثل هذه الحالات، حيث بدؤوا بشراء القمح، ليس لأنهم بحاجة إليه، وإنما فقط لأن قلوبهم رحيمة ومليئة بالرغبة لمساعدة الفلاح!! وبذلك راحوا يشترون القمح بسعر يتراوح ما بين 9 ـ 10.5 ل.س في أحسن الحالات للكغ الواحد، علماً أن سعر كغ القمح في مكاتب استلام الحبوب هو على النحو التالي:
قمح خالي من الأمراض:
وهذا التصنيف يتم على أساس مقدار الشوائب من القش، أو حبة الزيوان التي تقدر في الكغ الواحد. وعند توقف مكاتب الحبوب عن استلام القمح، قامت جهات عديدة بالضغط من أجل الاستمرار في استلام الحبوب. وأخيراً تمت الموافقة على استلام الحبوب المصابة ولكن بحسب التصنيف والتسعير التالي:
أولاً: يصنف القمح المصاب بالتلوث (إصابة فطرية) على أساس أنه درجة رابعة وبالشكل التالي:
أي بمعدل 17 ق.س لكل درجة إصابة، وبالتالي يصبح معدل الانخفاض في السعر 119 ق.س، ولكن عند هذه الدرجة الأخيرة، يضاف للانخفاض المذكور أجرة غربلة!!
أما لماذا الغربلة؟ فلا نعلم!! فحبات القمح المصابة لا تختلف عن الطبيعية، إلا بلونها فهل الغربال يميز بينها؟! وللعلم، فإن معظم الأقماح المصابة، مصابة بدرجة سادسة أو سابعة، أو أكثر، وبالتالي فأجور الغربلة 540 ل.س للطن «1000 كغ» أي بمعدل 54 ق.س لكل كغ، وهكذا يصبح سعر كغ القمح عند هذه الدرجة (السابعة) على النحو التالي:
التكاليف: 7 × 17 = 119 ق.س (تصنيف) + 54 ق.س (غربلة) = 173 ق.س!!
وصافي السعر: 11.39 – 1.73 = 9.66 ل.س!!!!
يضاف اقتطاع حسميات عامة 0.18 ل.س، فيصبح سعر الكغ من القمح 9.48 ل.س!
والآن إذا كان متوسط إنتاج الدونم من القمح 500 كغ، في أحسن الحالات، فيكون الصافي 9.48 × 500 = 4740 ل.س. هذا المبلغ البائس يقارب كلفة دونم القمح من فلاحة وبذار وأسمدة وأدوية.
لذلك ينطبق على فلاحي الغاب هذا العام المقولة المشهورة: «منه العوض وعليه العوض»!!
نعم.. إن جشع التجار، كان أكثر رحمة هذه المرة من الحكومة في سرقة الفلاحين!!
■ الغاب - أبو النور