مطبّات بعض القوانين تجيز التطاول على القوانين
ورد في القانون رقم 62 تاريخ 24/12/2006، مادتان رئيستان ومتميزتان جداً.
المادة الأولى وهي المادة رقم /1/ وتقول: «تعد أراضي البادية من أملاك الدولة الخاصة، وتخضع للقوانين والأنظمة المتعلقة بهذا الشأن، في كل ما لم ينص عليه في هذا القانون».
والمادة الأخرى هي المادة /2/ الفقرة /ب/ وتأمر بما يلي: «يمنع على المحاكم واللجان القضائية والقضاة العقاريين، النظر في الدعاوى المتعلقة بتسجيل العقارات الواقعة ضمن أراضي البادية».
أدهشني هذا القانون، لدى قراءتي له، وتوقفت كثيراً حائراً، ولكن قبل الخوض في هذا الموضوع لابد من التطرق لما يلي:
ـ الأملاك العامة: هي جميع الأملاك العقارية، وما هو في حكمها براً، وبحراً، وجواً. وهي ما اصطلح على تسميتها في السجلات العقارية مثلاً باسم «الجمهورية العربية السورية»، وفي البحار والمحيطات باسم «المياه الإقليمية السورية»، وفي الجو باسم «الأجواء السورية».
يتضح من هذا كله: إن هذه أشياء هي ملك عام لجميع السوريين، سابقاً وحالياً ومستقبلاً, كانت لأجدادنا وآبائنا، اختلط ترابها وماؤها وهواؤها بدماء شهدائهم وعرق جباههم وزفرات صدورهم، وهي الآن لنا ولأولادنا، ولأبنائهم وأحفادهم، ولأحفاد أحفادهم، فهي بمثابة وقف ذري لجميع السوريين، مادامت سورية موجودة أرضاً وشعباً، لذلك محرَّم على أي فرد أو فئة أو سلطة، أن تنتزع هذه الملكية، أو تستأثر بها لنفسها فقط.
ـ الحراج والآثار والأنهار والسدود وما هو في حكمها، هي ثروة وطنية، أي للوطن وليست لأحد بعينه، وعليه، فالبوادي والصحارى وقمم المرتفعات والأنهار والوديان وغيرها، كلها تندرج تحت شرف اسم الملكية العامة، الملكية الوطنية، خاصة وأن مساحة البادية السورية، تشكل أكثر من ثلث سورية. ولقد عرف الدستور السوري الملكية العامة، في الفقرة /1/ من المادة /14/ بقوله:
«ملكية الشعب: تشمل الثروات الطبيعية والمرافق العامة، تتولى الدولة استثمارها والإشراف على إدارتها، لصالح مجموع الشعب، وواجب المواطنين حمايتها».
إن تحويل الملكية العامة للدولة، إلى ملكية خاصة، ينذرنا بوجود سوق عقارية، تشبه الأسواق المالية /البورصة/ تتم فيها عمليات البيع والشراء.
وهكذا يحرم الوطن من ثرواته الطبيعية، وخاصة العقارية منها. وهذه هي بداية النهاية، بداية خصخصة ليس القطاع العام فحسب، وإنما الأملاك العامة جميعها، أملاك الوطن، حيث يقود هذا القانون المخالف للدستور، إلى تحويل جميع الأملاك العامة، إلى أملاك خاصة. وعندئذ لا ينفع الندم.
إن ملكية الدولة الخاصة تعني: إن الإدارة (الحكومة)، وهنا يجب التمييز، كل التمييز، بين الحكومة والدولة، تستطيع أن تبيع كل هذه العقارات أو بعضها، بما تشاء ولمن تشاء. خاصة وأنه قد صدر مؤخراً، تشريع يسمح للأجانب بتملك العقارات بحجة الاستثمار في سورية.
ـ حق التقاضي: هو الحق الذي نصت عليه الفقرة /4/ من المادة /28/ من الدستور الدائم للجمهورية العربية السورية، بقولها: «حق التقاضي وسلوك سبل الطعن والدفاع أمام القضاء مصون بالقانون» وهذه مخالفة أخرى للدستور، بل اعتداء عليه، فكيف يتوافق، أو كيف نوفق بين الفقرة /4/ من المادة /28/ السابقة، التي تأمر بصيانة حق التقاضي أمام المحاكم والجهات القضائية؟! مع نص الفقرة /ب/ من المادة/2/ من القانون موضوع البحث؟! والتي تمنع جميع المحاكم واللجان القضائية والقضاة العقاريين من النظر بالدعاوى والمنازعات المتعلقة بأراضي البادية السورية؟!
أليس حق التقاضي من الحقوق اللازمة للصفة الإنسانية؟! بدءاً من الشكوى أو التظلم للجهات الإدارية المختصة، وحتى الإدعاء أو التقاضي أمام المحاكم أو الجهات القضائية المختصة؟!
هنا أرفع صوتي عالياً: كيف تسنى لمجلس الشعب، وهو المكلف بحماية الدستور، والضرب بيد من حديد، على كل يد تخالف أحكامه، أقول: كيف تسنى له أن يرتكب هو، مخالفة الدستور؟!
إني أهيب بالقيادة السياسية، وهي القائدة للدولة والمجتمع، حسب نص المادة /8/ من الدستور،أن تحفظ الوطن والأملاك العامة للدولة، التي هي الوطن، وتعمل على إلغاء هذا القانون الجائر واعتباره معدوماً، مع كل ما نتج عنه أو بني عليه، لمخالفته الدستور وكل المعاني الوطنية.
ألم يُطلَب من المواطنين عدم السكوت عن الخطأ؟! ها نحن نصرخ، فهل من مجيب؟!.