حلب تخسر أعرق شوارعها
يجسد شارع فيصل تاريخ القوى الوطنية الحلبية الشريفة، المتمسكة بالقيم والتراث، الأشجار المعمرة والجزيرة الوسطى التي تزرع بالورود تضفي على الشارع رونقاً خاصاً، عرائش الياسمين الخلابة على جدران المنازل على طول الشارع، كل ذلك يجعله غالياً على كل مواطني حلب الشهباء.
يعود تاريخ تنظيم شارع فيصل إلى فترة الحكومة العربية، التي تشكلت في عهد الملك فيصل ابن الشريف حسين، قبل دخول المستعمرين الفرنسيين إلى سورية عام 1920، وهو يربط مركز المدينة الحديث، بمنتزه السبيل الرائع.
في صبيحة أحد أيام الشتاء الباردة، وفي غفلة من أهالي الحي، قامت الجرافات والبلدوزرات باقتلاع مئات الأشجار المعمرة، واكتسحت الشارع من أوله إلى آخره، وحولته إلى أنقاض، واكتسحت معه التاريخ والعراقة والجمال. هذا العمل اللا مسؤول، أصاب كل حلبي أصيل بالأسى والحزن.
تفاقمت المشكلة المرورية ضمن المدن السورية، نتيجة للتوجهات الليبرالية للفريق الاقتصادي، فمع تحرير التجارة، استوردت البرجوازية الطفيلية، بمشاركة البرجوازية البيروقراطية، مئات آلاف السيارات، وزجتها في المدن السورية، الأمر الذي خلق أزمة مرورية مستفحلة ومستحكمة، بحيث أصبح الانتهاء من إشارة جامع الرحمن، في حالات الذروة، يحتاج إلى نصف ساعة على الأقل، والخلاص من شارع فيصل، يحتاج إلى ساعة.
البرجوازية الطفيلية والبيروقراطية الوضيعة، مستعدة لبيع كل شيء من أجل زيادة أرباحها، لم تجد حلاً للأزمة المرورية سوى باقتلاع الجزيرة الوسطى للشارع، ومعها اقتلعت أفئدة سكان الحي، وكسرت المشاعر الروحية لأهالي حلب الشهباء، فهذا الشارع ارتبط بذاكرة الحلبيين. فهل حقاً إزالة الشارع هو الحل الوحيد لمشاكل حلب المرورية ؟! في الوقت الذي تنام في أدراج مكاتب البلدية، حلول عديدة من تحسين النقل العام إلى الجسور والأنفاق.إلخ..
يسكن الأغنياء الجدد حديثي النعمة في قصور حي الشهباء الحديث، الذي شُقّ على امتداد حي السبيل والمحافظة، السماسرة والمرتشون المتخمون الذين ليس لهم تاريخ وتراث، مرغمون على المرور بشارع فيصل، ذهاباً وإياباً، والشعور بالدونية والنقص، تجاه البرجوازية الوطنية العريقة، هذا التخريب المتعمد للشارع الذي يعد من اعرق شوارع سورية غايته إذلال البرجوازية الوطنية، وشطبها من ذاكرة الناس .
البرجوازية الصناعية الوطنية، التي ترفض زيادة الأجور بإصرار، وترضى أن يسكن عمالنا في زرائب أحياء المخالفات، وتقف متفرجة على ذبح أشجار المنشية القديمة، وتحويلها لفندق خمس نجوم، للهو والتهتك، تستحق هذا العقاب، الآن جاء دورها فلتتحمل النتائج، إن اكتساح تراثها وقيمها وعراقتها المتمثلة والمكثفة في الشارع هو نهاية حتمية لموقفها اللا مبالي وخضوعها لسلوك قوى الفساد.
ربحت قوى الفساد الكبرى عشرات المليارات من وراء استيراد السيارات، ودفعت حلب الثمن، بالتضحية بأعرق شوارعها، هذه هي النهاية الحتمية لسياسة (الانفتاح) الاقتصادي، التي ينتهجها الطاقم الاقتصادي، والآتي أعظم.
هنا يلح علينا السؤال: أين جمعيات المجتمع الأهلي ذات الأسماء الرنانة، من محبي حلب إلى عادياتها؟! لماذا تلاشى صوتها وأغمضت عينيها عن هذا الفعل الجائر؟! هذا يؤكد أن مهمة جمعيات المجتمع المدني الآنفة الذكر، هي إلهاء وتخدير المهتمين والمثقفين، بالكلام البائس الخالي من أي فعل إنساني.
هذا الحدث البسيط المعبر، يؤكد أن قوى الفساد الكبرى، وطنها أينما وُجدت أموالها، هي امتداد في الداخل لقوى الإمبريالية في الخارج التي تريد إخضاع سورية لمشروع الشرق الأوسط الجديد وفرض الاستسلام عليها. فوداعاً شارع فيصل.
■ رياض اخضير ـ حلب