كيف أصبحت شيوعياً؟
ضيف هذا العدد الشيوعي القديم الرفيق محمود موسى ميقري.
الرفيق المحترم أبو راشد حدثنا، كيف أصبحت شيوعيا؟.
أنا من مواليد دمشق عام 1921، تلقيت التعليم الابتدائي في مدرسة الملك العادل، وفي الرابعة عشرة من عمري انخرطت في العمل بمعمل «كسمو قباني للنسيج» لعدة سنوات، ثم انتقلت إلى معمل آخر وبقيت أعمل بالنسيج حتى بلغت الحادية والثمانين، وبعودة سريعة بشريط الذكريات إلى ما قبل سبعين عاما، تتراءى أمامي مشاهد ذهابنا للعمل مع الفجر عبر البساتين التي تمتد بين حينا وموقع المعمل، وإيابنا في المساء ونحن منهكون من التعب حيث تدور بيننا أحاديث عن أوضاعنا وأحوالنا، ومن خلالها كنت أستمع باهتمام لكلام الرفيق العامل حسين عاقو الذي كان يعرّفنا على الشيوعية ويوضح لنا الكثير عن حياة العمال والفلاحين في الاتحاد السوفياتي، وهذا ما شدني أكثر وأكثر للتفكير بأوضاع العمال في بلادنا، وأذكر كيف اصطحبني معه يوما إلى مكتب الحزب، وفي تلك الفترة بالذات بدأت صلتي بالرفيق الشهم خالد الكردي (الزعيم)، لأصبح صديقا للحزب، وما هي إلا شهور قليلة حتى وجدت نفسي في صفوف الشيوعيين بفرقة تتألف من خمسة رفاق هم دياب خسرف وجميل وحسين أبوعلي ميقري وخالد كيكي وأنا، وفيها كنا نقرأ عن الحرس الأحمر والمقاومة (الأوبكوم السري)، وفي الخمسينات عندما انتقل مكتب الحزب من حي المزرعة إلى منطقة «القيادة» كلفت مع مجموعة من الرفاق بحراسته، وكذلك حراسة بيت الرفيق خالد بكداش بعد أن أصبح عضوا في البرلمان، إضافة لنشاطي الحزبي والنقابي، وقد انتخبت نائبا لرئيس نقابة النسيج التي كان يرأسها النقابي المعروف رشدي الشيخة، وكنا كخلية النحل في الصلات بالعمال لتوعيتهم وحشدهم للدفاع عن حقوقهم، وقد استطعنا إعادة عدد لا بأس فيه من العمال المفصولين إلى عملهم، وهذا ما أثار غضب أرباب العمل الذين حرضوا رجال الأمن على مداهمة مقر النقابة واعتقالنا، ونتيجة لتحرك العمال واحتجاجهم تم إطلاق سراحنا.
كنا نناقش العمال ونشرح لهم كيف يمكن أن يوحدوا صفوفهم تحت شعار يا «عمال العالم اتحدوا» كي يستطيعوا الحصول على حقوقهم. كنت أنفذ كل المهام الحزبية التي أكلف بها كالمظاهرات العمالية والوطنية وتوقيع العرائض، وذكريات ذلك الزمن ما زالت حية في ذهني وفي قلبي، ومنها الاحتفالات الكبيرة التي أقامها الحزب وبخاصة تلك التي ألقى فيها الرفيق خالد خطاباته المشهورة وأهمها خطابه المدوّي (سنة تحت قبة البرلمان) أمام أكثر من أربعين ألف مواطن على سفح جبل قاسيون الأشم، ومن أجمل ذكرياتي ذكرى عملنا المتفاني في صفوف المقاومة الشعبية أعوام 1956 و1957 خلال اشتداد التآمر على سورية، حيث اندفع شعبنا الباسل لينخرط في المقاومة، وقد كنت حينها رئيسا للحضيرة الثالثة في الفئة الثانية للسرية الثالثة في الفوج 206 التي تضم المقاومين حسن ميقري ومحمود دقوري وإبراهيم ومحي الدين مللي وعلي كوسا، ومازلت أحتفظ ببطاقة المقاومة الصادرة عن قيادة مدينة دمشق.
وفي شهر آب 1958 سافرت عن طريق النقابة إلى ألمانيا لدراسة فن صناعة النسيج، وبقيت هناك لمدة ثمانية أعوام، ثم عدت إلى الوطن لأتابع عملي بالنسيج، وظل بيتي القديم بيتا لنشاط الرفاق إلى يوم إنشاء بناية حديثة مكانه، وفي عام 2001 كنت في عداد الرفاق القدامى الذين كرمتهم منظمة دمشق للحزب الشيوعي.
وخلاصة القول، وهذا تعلمته من التجارب الطويلة: ضرورة احترام الرفاق وعدم التعالي عليهم، لأن أي تعامل يتجاهل هذه الحقيقة يدل دلالة أكيدة أن من يمارسه لا يمت للشيوعية بأية صلة، كذلك أرى ضرورة تجاوز التقييمات الانفعالية المتسرعة وعدم إطلاق الاتهامات الارتجالية الضارة، هذه الظواهر السلبية التي رافقت وجود مراكز لها امتيازات تغري أصحاب النفوس (الضعيفة) فتخلق فيهم الانتهازية، ونماذج ذلك موجودة وللأسف الشديد.
أنا اليوم خارج التنظيم، لكنني مع الرفاق أواكب أخبارهم في كل فصائلهم وأقرأ صحافتهم وخاصة قاسيون التي أعتز بأني تابعت قراءتها منذ العدد الأول الذي أصدرته اللجنة المنطقية للحزب بدمشق في شهر آب 1967 وأحتفظ بأعداد قديمة منها، ومع مرور أربعين عاما على صدورها أهنىء الجميع بهذه المناسبة السعيدة، وكلي أمل ورغبة في أن أرى الشيوعيين موحدين في حزب قوي محترم، وأرجو أن يكون الرفاق صادقين مع بعضهم بعضا، وأن يمارسوا الانتقاد والانتقاد الذاتي بصورة فعلية، وأن يتعلموا مما تراكم من تجارب قاسية ومريرة عاشها آلاف الرفاق بكل تفاصيلها، وأن يعملوا بين الجماهير الشعبية الكادحة ليعيدوا للشيوعية ألقها وسمعتها الحقيقية كمدافع صلب عن حقوق الشعب والوطن، وكما أصبح معروفا (لا خيار إلا المقاومة الشاملة)، فالظروف الصعبة التي نعيشها تتطلب من الجميع نضالا فعالا للتصدي للأخطار المحدقة، وما جرى ويجري على أرض الواقع يؤكد ذلك، والشاهد الأفضل على صحة كلامي هو المقاومة الباسلة في لبنان التي تصدت للعدوان وهزمته، وكذلك المقاومة في العراق وفلسطين، بينما لم تستطع الجيوش بأمرة وسيطرة الحكام القيام بدورها.
أرجو للجميع النجاح في أعمالهم وشكرا لكم.