أنقذوا العملية التربوية – التعليمية!

العام الدراسي الجديد بدأ، وبدأت معه المشاكل المزمنة، والجديدة في هذا القطاع المنهك أصلا والذي يعاني من الكثير من الأزمات والإشكالات التي تتطلب حلولا إسعافية ضمن إستراتيجية وطنية، تعيد الاعتبار إلى العملية التربوية والتعليمية وتضعها على السكة الصحيحة لتحقق دورها الوطني والإنساني المنوط بها.

إن واقع العملية التربوية والتعليمية في البلاد يتكشف بجلاء من خلال عدة مؤشرات:

- زيادة نسبة التسرّب من المدارس، وبالأخص في المحافظات الشمالية الشرقية، بما يعنيه ذلك من تصدير آلاف الأميين إلى أروقة المجتمع، فيتعرض اغلبهم للتهميش والاغتراب عن الواقع، الأمر الذي يشكل بدوره تربة خصبة لكل مظاهر الشذوذ الاجتماعي والأخلاقي.

- مزاحمة المدارس والجامعات الخاصة والدورات الخصوصية للتعليم الرسمي، في إشارة إلى أن التعليم الرسمي لا يقوم بدوره المنوط به بشكل كامل.

- حالة الاغتراب التي يعيشها الطلبة تجاه المؤسسات التعليمية، والقناعة التي تترسخ يوماً بعد يوم لدى قطاعات مجتمعية واسعة، بان الشهادة لم تعد تطعم خبزاً في ظل عدم توفر فرص العمل لأصحاب الشهادات، فضلاً عن تدني الأجور وعدم وضوح المستقبل.

- تراجع مستوى التحصيل العلمي للطلبة بشكل عام، نتيجة الاعتماد على الأسلوب الحفظي الجاف، الأمر الذي يدفع الطالب لبذل جهوده كاملة في الحصول على العلامات ليفتح لهم باب الدخول إلى الفرع الجامعي الذي يرغبونه، وذلك هو الترجمة الحقيقية لسياسات الاستيعاب الجامعي الظالمة والبدائية والتي تنعكس في آلاف مؤلفة من الطلاب المهمشين خارج جدران الجامعات الرسمية كل عام.

- ضعف كفاءة الكادر الإداري نتيجة الاستمرار في سياسات التعيين المتبعة والتي تعتمد على الانتماء الحزبي، قبل كل شيء، بغض النظر عن مستوى الكفاءة المهنية والأخلاقية التي غالباً لا تؤخذ في الحسبان! فالوظائف الإدارية في هذا القطاع أصبحت مخصصة بالكامل تقريباً إما لمن ينتمي إلى حزب البعث أو لذوي النفوذ أو يدفعون المعلوم إلى أصحاب القرار، وإذا كان التعيين على أساس حزبي في المؤسسات والدوائر يعد خطأ، فإنه في القطاع التربوي خطأ مركب، فمن جهة هو تجاوز لحق يجب أن يتمتع به جميع أبناء الوطن، ومن جهة أخرى فان الكثير من مدارس الوطن ومؤسساته التعليمية تقاد من الجهلة وقليلي الخبرة، ناهيك عن البنية الأخلاقية المتفسخة لبعضهم، وهؤلاء بكل تأكيد غير قادرين على القيام بمهمة وطنية أساسية هي تربية الأجيال الصاعدة على طريق ممارستها لدورها في بناء سورية الغد.

ويبقى أن نؤكد على أن المؤسسات التربوية والتعليمية هي انعكاس لواقع عام اقتصادي، اجتماعي، وسياسي، ومن هنا يجب أن تندرج عملية إصلاح البنى التربوية التعليمية ضمن إطار إصلاح وطني شامل ومتكامل، بما يفتح الآفاق الرحبة أمام البلاد والعباد لتعيش بكرامة، ويؤمن جبهة داخلية متماسكة قادرة على مواجهة كل التحديات، إلى جانب المبادرة فوراً بجملة من الحلول الإسعافية؛ من تحسين المستوى المعاشي للمعلمين باعتباره الركن الأساسي في العملية التربوية، واعتماد مبدأ الكفاءة المهنية، والنزاهة الأخلاقية في الإدارات، وتطوير المناهج بما يلبي منجزات الثورة العلمية التكنولوجية وبما يعزز الثقافة الوطنية والإنسانية، ورفع ميزانية القطاع التعليمي في موازنات الحكومة، وتأمين الوسائل المعينة التي لا يمكن الاستغناء عنها في التدريس الحديث، وإتباع طرائق التدريس الحديثة، واعتماد خريطة مدرسية جديدة متوافقة مع طبيعة المناهج، والاستغلال الأنسب للعطلة الصيفية لتهيئة أوضاع المدارس وترميميها، تجنبا للإرباكات التي تحصل في الكثير من المدارس في بداية العام الدراسي.