كيف أصبحت شيوعياً
جبل العرب قلعة من قلاع الوطن الشامخة بسواعد وعزائم أهله الذين رضعوا حب الوطن مع حليب أمهاتهم، وتاريخ الثورة والثوار حافل بما سطروه من ملاحم البطولة والتضحية في سبيل حرية واستقلال الوطن، هذا الجبل الأشم حضن ومازال يحضن باعتزاز نضالات الرفاق الشيوعيين من أجل غد أفضل وأجمل للكادحين بسواعدهم وأدمغتهم.
ضيفنا اليوم هو الرفيق مزيد صافي نصر من الرفاق في تنظيم النور.
نرحب بك رفيقنا المحترم أبا سليم، ونفسح لك المجال لتحدثنا كيف أصبحت شيوعياً..
أولاً، لابد من التأكيد على أن الشيوعية هي مبدأ وأخلاق وتضحية، وأن الشيوعيين الذين ساروا في هذا الطريق لن يقبلوا إلا بهذا المبدأ الأصيل، وأنا لست مثالياً ولابطلاً، بل ربما أكون أقل الرفاق شأناً..
أنا من مواليد بلدة نجران – محافظة السويداء عام 1939 من أسرة فلاحية فقيرة، استشهد والدي عام 1941، فتكفلت والدتي برعاية الأسرة، فتعلمت حتى الصف السادس في المعهد العربي بدرعا بإدارة الأستاذ موفق الشرع، ثم تركت المدرسة لأسهم في تأمين نفقات العائلة. عملت عند معلم بلاط، وتعلمت المهنة، وسافرت إلى لبنان واشتغلت هناك حتى عام 1960، ثم عدت وشاركت بفعالية بإنشاء أول نقابة لعمال البناء والأخشاب في المحافظة، وفي عام 1968 سافرت إلى ألمانيا الديمقراطية، ودخلت مدرسة حزبية، ثم تعلمت قيادة (البلدوزرات) وبعد سنتين ونصف عدت إلى الوطن وعملت سائق بلدوزر لمدة ثلاث وثلاثين سنة في شق الطرقات في مختلف أنحاء المحافظة، كنت خلالها محافظاً بإخلاص على اسم الحزب وسمعته بين الناس..
وبعودة سريعة إلى البدايات، فقد تعرفت على الأفكار الثورية عن طريق أقرباء شيوعيين، وكان للوضع الطبقي دوره في جذبي إلى صفوف الحزب فانتظمت في عداد فرقة حزبية، من أعضائها الرفاق نصر سالم نصر وفوزي أبو فخر وأبو حسين عبد الله نصر وشاهين أبو عاصي، ومن أغلى الذكريات في تلك المرحلة، مشاركتي بالتظاهرة الحاشدة التي أقامها الحزب احتفالاً بعيد الجلاء عام 56 التي امتدت من مكتب الحزب حتى مبنى السراي، وكان المشاركون يسيرون ثمانية ثمانية ومع كل مجموعة عازف (مجوز) يغنون ويهتفون، وكنت أسير في المقدمة حاملاً العلم الوطني ومرتدياً اللباس العربي، وقد انتهت المسيرة بصدام مع رجال الشرطة. في ذلك الوقت كنت أوزع صحيفة النور ومجلة بلاد السوفييت على المشتركين في مدينة السويداء، وكثيرة هي المهمات التي قمت بأدائها فيما بعد، وفي عهد الوحدة لوحقت ولم يكن معي (فرنك واحد)، وابني مازال رضيعاً، فاستدنت بعض النقود وذهبت للعمل في لبنان، وبعد عودتي تابعت مهامي الحزبية.
بعد الانقسامات أصبحت مسؤولاً بمنظمات القاعدة ومسؤول اللجنة المنطقية ورئيس المكتب النقابي في السويداء، ورشحت لمجلس الشعب أكثر من مرة حين كان الحزب موحداً، وخلال الانقسامات، وكنت ممثل الحزب في اتحاد عمال المحافظة. ومن الذكريات أيضاً ما حدث معنا في لقاءين مع أمين الفرع في المحافظة، ففي اللقاء الأول سألته عن رأيه بمنظمات القاعدة، فقال: «أنتم وطنيون بلا شك». وفي اللقاء الثاني الذي جاء بعد تقديم مشروع برنامج الحزب وتضمن إبداء الرأي حول كل القضايا ومنها واقع الأكراد السوريين، والحملة التي وُجّهت ضد الحزب، قال: «لقد بلغتم بموقفكم هذا مبلغ الخيانة العظمى»! وعندما ذكرته برأيه السابق، قال: «هذا موقف القيادة منكم، إنهم يأخذون الموقف الذي يريدونه»..
لقد تساءلت حينها: «ونحن، ألا يحق لنا أن نأخذ مرة موقفاً منـ(ـهم) دفاعاً عن المصالح الحقيقية للجماهير الشعبية»؟!
الحد الأدنى للالتزام الطبقي يفرض علينا أخذ موقف الدفاع عن الكادحين، ونحن نرى ما يتعرضون له من صعوبات جراء ما يقوم به حيتان النهب من سرقة ثروات الوطن وجهد الكادحين، من غير المقبول ألا نأخذ موقفاً على أرض الواقع، فخدام ليس وحيداً!!
فيما يتعلق بوحدة الشيوعيين السوريين، وقبل وجود أية لجنة للعمل في هذا الاتجاه، ذهبت مرة على رأس وفد حزبي إلى دمشق والتقيت الرفاق في القيادة، وقلت للرفيق مراد ليس هناك أي مبرر يستدعي انقسام الحزب، ولو كانت هناك قيادات شيوعية حقيقية لما حدث الانقسام، والرفاق في السويداء على مختلف مشاربهم متفقون على وحدة الشيوعيين، فقال أحدهم: لماذا لاتوحدون المنظمة في السويداء وتتوحدون؟ فقلت له: هذا كلام مردود، نحن شيوعيون .. من أين سنأخذ جريدتنا؟ ومن أين سنأخذ سياستنا؟ ولمن سندفع اشتراكاتنا؟!
إن الشيوعية كما ذكرت هي فكر وقناعة ومبدأ، وهذا العمر الذي قضيته في الحزب يؤكد أنني لن أكون إلا شيوعياً، ولن تتزعزع قناعتي بالشيوعية، والشيء الأساسي أن القيادة هي السبب الرئيسي لما جرى من انقسامات. وللحقيقة أقول: في أحد الاجتماعات الحزبية أبديت رأيي بصراحة حول الموقف مما يجري في إطار العمل على صعيد الجبهة المركزية، فناداني الرفيق يوسف فيصل وقال لي سأطلعك على رسالة وصلتنا من الحزب الشيوعي العراقي توضح أن الحزب رغم ما يتعرض له من قمع وتقتيل فإنه يسعى لقيام جبهة وطنية، فأجبته هذا كلام غير منطقي وغير مقبول، فكيف يقيمون تحالفاً مع من يقمعهم؟!
في الختام أقول: مازلت داخل التنظيم، ورفضت أن أترشح لأي مركز في الحزب، وأسعى مع الرفاق لوحدة الحزب، وأنا منزعج جداً من واقع الانقسامات، وأستهجن الكلام الذي يقول متهماً هذا بأنه تروتسكي، وذاك بالمال السياسي.. إنني مع كل الرفاق الذين يسعون لوحدة الشيوعيين السوريين، وهذه مهمة من أشرف وأعظم المهمات في سبيل عزة وكرامة الوطن والشعب.