يوسف البني يوسف البني

قفزات الأسعار.. بين الحكومة وكبار التجار

لا يكاد المواطن السوري يصحو من صدمةِ أزمةٍ معيشيةٍ، حتى تأخذه صدمة زلزال يزعزع استقراره وأمنه الغذائي، حتى إذا تماسك واستوعب الآثار المزعزعة لحياته ومعيشته، يجتاحه بركان يحرق الأخضر واليابس، وكل ما بقي له من فُتات حياة يتشبث بها بروح تتنازعها الأزمات والغلاء، وفقدان معظم المواد الاستهلاكية الأساسية، ومقومات الحياة البسيطة.

هذه هو الأسلوب والبرنامج الإنمائي الذي ينتهجه هذا الفريق الاقتصادي، الذي يدعي أنه مغطىً ومدعومُ بقرار سياسي، في سياساته وإجراءاته المطبقة على أرض الواقع السوري، الذي ينهار يوماً بعد يوم، وبسرعة متزايدة، من إجراءات الخصخصة والتأجير، وطرح شركات ومنشآت الدولة والقطاع العام، للاستثمار أو الشراكة، إلى برنامج رفع الدعم عن المواد الأساسية، وقد بدأها فعلاً بالمازوت، هذه المادة الاقتصادية الحيوية التي تعتمد عليها أساسات معيشة المواطن السوري في كل نواحيها، النقل والإنتاج الزراعي والصناعي، وحتى التجارة والمشاريع الحيوية الصغيرة والمتوسطة والكبيرة.

وفي صبيحة عطلة يوم السبت 3/5/2008 والناس تنام بأمان واطمئنان تصحو والقدر يتربص بها في غدرٍ وإذلال، فتسير باهتة في ذهول كامل، والشحوب يأخذ من الوجوه كل علامات الحياة.... رفع الدعم عن المازوت أصبح أمراً واقعاً.. وسائل النقل متوقفة عن العمل في شبه إضراب عفوي مؤقت، توقف النقل والمواصلات بين المناطق والمدن والمحافظات، بانتظار ما سيعيد إلينا الوعي، بعد هذه الصدمة، حتى ولو كان هذا الإجراء متوقعاً، بانتظار ما ستترتب عليه من انعكاسات على أرض الواقع، وفجأة تحرك البشر بفعل ضغوطٍ وتهديداتٍ، من رجال الأمن والشرطة وشرطة المرور، وتحركت وسائل المواصلات، ولكن بعد تعديل أجور النقل بزيادة أكثر من 100 % على التسعيرة المعمول بها على الخطوط كافة، وقد وصل بعضها أيضاً إلى 300 %. هذه هي الملامح الأولى لحال الوطن بعيد رفع الدعم عن المازوت مباشرة، فما هي التبعات الإضافية؟!

في ضربات استباقية نفذها المحتكرون والسماسرة وتجار الجملة في سوق الهال، ارتفعت أسعار المواد الاستهلاكية في السلة المعيشية اليومية بشكل مخيف، وقد نشرت «قاسيون» بعد استطلاع ميداني، مؤشر ارتفاع الأسعار لمجموع الاحتياجات الحياتية، بين شهر شباط من عام 2007، ومثيله من هذا العام 2008، وكانت النسبة المتوسطة لزيادة الأسعار بين مجموع السلع الاستهلاكية قد بلغت 50.90 %، واستمرت الأسعار بالتصاعد المجنون خلال الشهور الثلاثة الأخيرة حتى بلغت الزيادة حداً غير مسبوق.

السلة الاستهلاكية تشمل مجموع السلع الغذائية وغير الغذائية، ويبلغ مجموع نقاطها (تثقيلها) 10000 نقطة، الجدول التالي يبين الزيادة فقط في أسعار بعض مواد السلة الغذائية اليومية للمواطن، والتي تغطي 5275 نقطة، وهي التي لوحظ ارتفاعها خلال الأسبوعين الأخيرين، لأنها كانت الأسرع تأثراً والأكثر حساسية تجاه ارتفاع سعر المازوت:

أما باقي السلة الاستهلاكية، الذي يغطي الباقي من الـ10000 نقطة، أي 4725 نقطة، فمطلوب متابعتها خلال الأسابيع القادمة، لأن تأثرها يتطلب قليلاً من الوقت، وستقوم «قاسيون» بمتابعة تغيرات السوق، ونقل تفاعلاتها تباعاً.

هذا هو الوضع الذي أوصلنا إليه المخططون الاقتصاديون لهذا البلد، الليبراليون الذين يمثلون القاعدة الداخلية التي يرتكز عليها العدوان الخارجي ممثلاً بالامبريالية الأمريكية والصهيونية العالمية، الساعية دائماً إلى أخذ هذا البلد الصامد المقاوم من الداخل، بتدمير الوحدة الوطنية الداخلية، وأسسها الاقتصادية والاجتماعية، بإنهاك المواطن وإذلاله بلقمة عيشه.

ولقد تجاوزوا مؤخراً كل الحدود، بما فيها الخطوط التي قالوا إنها حمراء ولا يمكن المساس بها، وتجرؤوا على إجبارنا بالوقوف ساعات طويلة، مضيّعين سحابة يومنا، أمام الأفران ومنافذ البيع، للحصول على ربطة خبز واحدة، قوت يومٍ لأطفالنا، فقد منعت وزارة الاقتصاد بيع الخبز في المحلات التجارية، بحجة أنه يتم بيع الخبز للفلاحين علفاً لحيواناتهم، وقد كان من المفروض أن تعمل الدولة على تأمين العلف، ليحافظ الفلاح على ثروته الحيوانية المهددة بالتناقص والانقراض. وقد حصرت بيع الخبز في منافذ البيع التابعة لأفران الدولة فقط، دون العمل على زيادة المخصصات أو الطاقة الإنتاجية للأفران. وبهذا تكون قد خلقت أزمات عديدة، بادّعاء حل أزمة واحدة.  بسبب غياب التخطيط الاقتصادي المنظّم، والبرامج التنموية الشاملة.

منظر مهينٌ مشين، تدافُع النساء والرجال أمام منافذ بيع الخبز، رغم التظاهر بأن هنالك دوراً ونظاماً، علماً أن طابور الأجساد البشرية المتراصّة، قد يبلغ ما يزيد على المائتي متر، وعلى ثلاثة أرتال، عدا عن الاحتشاد والاحتكاك الشرس، الذي تحول أكثر من مرة، إلى مشاجرات، وأحياناً ظهرت الروح المستاءة المحتقنة، التي امتلأت عدائية عفوية لكل شيء، وتحاول تنفيس غضبها بكل شيء، وتحولت المشاجرات إلى أفعال وحشية مسلحة بالسكاكين والخطاطيف.

إن هذه الروح العدائية الغاضبة بشكل عفوي، لن تبقى عفوية طويلاً، بل ستعرف عدوّها يوماً ما، وقريباً، وحينها سيعلم الظالمون إن للباطل جولة، وإن النصر في النهاية لإرادة الشعب.

فحذار.. حذار من الاستمرار بالتجاوزات، واللعب بمقدرات معيشة الشعب.

وحذار.. حذار من متابعة اختلاق الأزمات، وإلهاء الناس بتأمين احتياجاتهم الأساسية.

وحذار.. حذار من رغيف الخبز، والتلاعب به، وليعلموا مرة أخرى، أن الجوع كافر....  

معادلة حساب التغير في الأسعار: استناداً للجدول أعلاه «العمود9» يتبين أن مجمل التغير في الأسعار المؤثر على السلة الغذائية المدروسة قد بلغ بين شباط وأيار 2008 أي قبل وبعد رفع أسعار المحروقات مقدار 13.88 % أي حواي 14 %. بينما كانت الزيادة على هذا القسم من السلة بين شباط 2007 وشباط 2008 «العمود10» 36.5 % أي حوالي 37 % حسب المعادلة التالية:

نسبة الزيادة=  مجموع (الفرق بين سعرين لتاريخين مختلفين X الوزن النوعي للمادة)

100