«طريق الموت» إلى السويداء
أصبح من المحتَّم على المسافر من دمشق إلى محافظة السويداء، وبالعكس، التفكير دائماً بالمكروه، وما في عالم الغيب، ضمن سلسلة أفكاره المتأرجحة بقلق دائم، بين الشيطانية و«المشرانية» حيناً، وبين الإيمان الإلزامي بالقضاء والقدر حيناً آخر، تحسباً لما تخبئه اللحظات القادمة، أو أية لحظة استثنائية قابلة للموت.
إن الطريق الواصل بين دمشق والسويداء، والممتد على مسافة 105 كم، قد حيّرنا في تسميته، فهو لم يعد «أتستراداً» كما هي تسميته الرسمية، كما أنه ليس بإمكاننا إطلاقاً تسميته «طريقاً زراعيةً»، لأنه ليس كذلك فلعل أفضل تسمية لهذا الطريق هي «طريق الموت»، لأنه أصبح عزرائيل المنطقة الجنوبية، وخاصةً بالنسبة لأهالي محافظة السويداء، حيث لا يمر يومٌ، إلا ويحصد القتلى بالجملة، وغالباً ما تكون المصيبة مضاعفة، والكارثة أليمة جداً، حين يكون أغلب الضحايا من عائلة واحدة، كما حصل في الحادث الذي وقع في أواسط شهر أيلول المنصرم، حيث توفي شابٌ ساعة الحادث مباشرة، ونُقل إلى المشفى والدُه الذي توفي بعد عدة أيام، متأثراً بإصاباته البالغة، من جراء ذلك الحادث.
إن هذا الطريق الذي يعمل المسؤولون على إنجازه منذ أكثر من عشرين عاماً، لتحويله إلى طريق سريعة، بالفصل بين الذهاب والإياب، قد أخذ من المماطلة والتسويف والبطء في الإنجاز شوطاً طويلاً. وما زال الذهاب والإياب على نفس الطريق، يفصل بينهما خطٌ وهميٌّ من الطلاء، مع غياب الكثير من مقومات السلامة المرورية، وهذا ما سبب الكثير من حوادث اصطدام السيارات وجهاً لوجه، أو عند التجاوزات، فهل إنجاز هذا الطريق أصبح معجزة من المعجزات؟! وإلا، فما معنى هذه اللامبالاة، تجاه أرواح البشر وسلامتهم؟!
إن الاهتمام الجدي، وإيجاد الحلول السريعة، لوقف نزيف الموت هذا، قد أصبح من الضرورة بمكان، للحفاظ على حياة وسلامة أهالي المحافظة، والوافدين إليها، وخاصةً بعد إنشاء جامعة السويداء التي وصل عدد طلابها هذا العام إلى أكثر من ألف طالب، وهذا وحده يعتبر إنذاراً مبكراً للجميع، فهؤلاء هم أبناؤنا، فلذات أكبادنا،إلى متى نضعهم تحت رحمة القدر الذي نتوقع أن يتربص بهم مع كل دورة عجلة؟ وإلى متى سنبقى قلقين متوقعين حصول مأساة ما؟! وإلى متى سنضع أيدينا على قلوبنا ونحن نودعهم، بانتظار عودتهم سالمين؟! إنهم أبناؤنا، أرواحنا التي تمشي على الأرض، والأمل المنشود الذي ننتظره، ليعيننا على مُر الأيام، وقد بذلنا الغالي والرخيص في سبيل تربيتهم وتعليمهم، وكل ما تتطلبه سلامتهم والحفاظ على حيلتهم، وجود ضمائر حية، تعي خطورة هذا الطريق، وتسعى لإنجازه بالسرعة القصوى.